عرضت الحكومة الموريتانية على البرلمان، مساء الأربعاء، قانونا جديدا يجرم ظاهرة العبودية، ويعاقب الممارسات الاسترقاقية، وذلك من أجل تكييف قانون تجريم العبودية مع نتائج حوار سابق بين الأغلبية الحاكمة وبعض أحزاب المعارضة، وتكييفه أيضا مع الاتفاقيات الدولية التي وقعتها الحكومة الموريتانية مؤخرا.
وقد أثار القانون الجديد جدلا برلمانيا بعيد عرضه من طرف الحكومة للتصديق عليه، حيث رأى عدد من النواب أن القانون الجديد للعبودية مجرد محاولة من النظام الحالي للفت الانتباه عن التهميش الذي تتعرض له شريحة الأرقاء والأرقاء السابقين في البلاد، فيما اعتبر آخرون أنه استجابة سريعة للحكومة الحالية مع المنعطف الذي تمر به البلاد، والذي يتطلب القضاء السريع على كل أشكال الممارسات الاسترقاقية الموروثة عن العهود الماضية.
ودعا عدد من نواب البرلمان، تحدثوا لـ"عربي21" على هامش الجلسة البرلمانية، إلى ضرورة ترقية وإشاعة ثقافة العدل والتسامح، تفاديا للمزيد من الانقسام الشرائحي في البلد.
عقوبات مشددة
وتضمن القانون الجديد للعبودية عقوبات مشددة، من ضمنها السجن من 10 سنوات إلى 20 سنة، وغرامة مالية تصل إلى خمسة ملايين أوقية، كما نص القانون على السجن ست سنوات كعقوبة على من يؤلف أي إنتاج ثقافي أو فني يمجد الاستعباد، مع مصادرة وإتلاف تلك الأعمال.
عقبات التطبيق هاجس المعارضة والحقوقيين
وقد عبر عدد من نواب المعارضة خلال الجلسة عن خيبة أملهم لعدم تطبيق الحكومة لمثل هذه القوانين.
وقال النائب المعارض حمد ولد إبراهيم، في تصريح لـ"عربي21"، إن القانون الجديد يواجه عقبات وتحديات كثيرة، أبرزها موضوع استقلالية القضاء، مضيفا أن القوانين في البلاد لا تزال في مجملها شكلية، نظرا لتبعية القضاء للسلطات التنفيذية، حسب تقديره.
واعتبر ولد إبراهيم، وهو أيضا الأمين العام لحزب تواصل، أكبر أحزاب المعارضة تمثيلا في البرلمان، أن إشكال التطبيق هو أكبر عقبة ستواجه القانون الجديد، نظرا لاستحالة متابعة شخصيات بارزة في الدولة وضباط كبار ضالعين في ملفات استرقاق وعبودية.
أما العقبة الأخرى التي ستواجه تطبيق القانون الجديد، بحسب إبراهيم، فهي عقبة إدارية، "باعتبار أن السلطات ليست لديها الإرادة ولا الصرامة في تطبيق مثل هذه القوانين"، مبديا شكوكه في أن تتبع السلطات القانون بمرسوم تطبيقي له، بحسب قوله.
وأضاف ولد إبراهيم في حديثه لـ"عربي21": "لا أريد نكأ الجراح، لكن الحقيقة أن شريحة الأرقاء والأرقاء السابقين تعاني الحرمان والظلم والتهميش، ومحرومة من النفاذ لكثير من الخدمات العامة، وهذا مؤشر سيئ" حسب تعبيره.
هل يشكل القانون قطيعة مع الاسترقاق؟
أما النائب البرلماني عن الأغلبية الحاكمة، المدير ولد بونه، فقد اعتبر أن القانون الجديد جاء ليسد جميع النواقص في مجال التصدي لظاهرة العبودية، مثل صعوبة تنفيذ الأحكام القضائية، أو العقوبات التي لم تكن ترق لمستوى الردع.
ورأى ولد بونه، في تصريح لـ"عربي21"، أن القانون يشكل إضافة نوعية للمنظومة التشريعية الموريتانية، كما يشكل قطيعة مع ماضي الاسترقاق في البلاد، وثورة في مجال الحقوق، وخاصة حقوق ضحايا الاسترقاق.
واعتبر ولد بونه أن الانتقادات التي وجهتها المعارضة بشأن تطبيق القوانين مجرد دعاية سياسية، وقال إن الأيام ستكشف إصرار الحكومة على تنفيذ هذا القانون، حسب قوله.
وأضاف: "النظام الحالي قام بوضع ضوابط هامة في الموضوع، وتم تجريم الظاهرة، وتم وضع عقوبات قاسية بحق من يمارسها"، متابعا: "لدينا خارطة طريق شاملة للقضاء على كل الأشكال المعاصرة للاسترقاق".
فتوى تجريم الرق
وأصدرت رابطة العلماء الموريتانية فتوى بعدم شرعية
الرق في
موريتانيا، غير أن بعض المنظمات الحقوقية الموريتانية، وعلى رأسها حركة "إيرا"، رأت أن الفتوى غير كافية وغامضة.
وتصنف منظمات وهيئات حقوقية موريتانيا في المراتب الأولى على قائمة الدول التي تنتشر فيها ظاهرة العبودية، حيث تقدر منظمات حقوقية عدد الأرقاء في البلاد بالآلاف، غير أن الحكومة تعدّ تلك الإحصاءات غير دقيقة ولا واقعية، وأنها لم تعتمد معايير محايدة.