صدرت منذ يومين نتيجة التحقيق الذي أجرته "لجنة مستقلة"، تابعة للأمم المتحدة، في الحرب الأخيرة على قطاع
غزة، صيف عام 2014، وهي الحرب التي أطلقت عليها الحكومة
الإسرائيلية اسم "الجرف الصامد". وتلت القاضية الأميركية ماري ماكغوان ديفيس التقرير الذي خلص إلى اتهام "إسرائيل والمجموعات المسلحة الفلسطينية بارتكاب
جرائم حرب"، وقدم التقرير معلومات مهمة عن مدى الإرهاب الإسرائيلي، وبين عدد الضحايا الفلسطينيين، والخسائر البشرية المختلفة.
ولا شك أن إدانة (إسرائيل) بارتكاب جرائم حرب هي مسألة جيدة للفلسطينيين، وهذا الوصف يكرس حقيقة ممارسات الاحتلال، ويضيء على جرائمه المختلفة، وهو نبأ جيد للفلسطينيين أن يسمعوا أو يقرؤوا في التقرير ما يلي "إن مدى الدمار والمعاناة الإنسانية في قطاع غزة، غير مسبوقين، وسيؤثران في الأجيال القادمة". وهذه شهادة دولية جديدة لصالح الفلسطينيين.
لكن من المؤسف أن يذهب تحقيق دولي صادر عن أهم مؤسسة دولية في العالم، ومن المفروض أن يتصف بالمهنية والعدالة القانونية إلى المساواة في الاتهام، أي اتهام "إسرائيل والمجموعات المسلحة الفلسطينية" بارتكاب جرائم حرب. مع العلم أن هناك فروقا هائلة في الأوضاع الفلسطينية والإسرائيلية، وهناك اختلافات بين المجرم والضحية، وهناك فوارق سياسية وميدانية وقانونية بين الحالتين، لذلك نتوقف هنا عند أهم الملاحظات على التقرير:
1- إن الاحتلال الإسرائيلي هو الذي بدأ العدوان على قطاع غزة، والحرب التي بدأت أوائل تموز/يوليو 2014 جاءت بقرار من الحكومة الإسرائيلية، وإن الطائرات والمدفعية الإسرائيلية، والبوارج الحربية هي التي بدأت قصف قطاع غزة، واستهداف المدنيين.
2- إن الفلسطينيين في قطاع غزة، والمجموعات المسلحة هناك كانوا في حالة دفاع مشروع عن النفس، ولم يكونوا في حالة اعتداء، وليسوا هم من بدأ بالقصف.
3- إن قطاع غزة هو أرض محتلة حسب توصيف
الأمم المتحدة وقراراتها، وإن القصف الإسرائيلي عليها هو اعتداء وخرق للقوانين.
4- يقول التقرير إن عدد الشهداء الفلسطينيين بلغ 2217 معظمهم مدنيون، بينهم 556 طفلا و293 سيدة، والجرحى من الأطفال 2647 ومن السيدات 1442، بينما يشير التقرير إلى مقتل 67 جنديا إسرائيليا وستة مدنيين وإصابة 1600.
وهذه الأرقام تظهر الفارق بين حجم الخسائر الفلسطينية والإسرائيلية، فكيف يمكن المساواة بين مقتل أكثر من ألفي شخص ومقتل ستة مدنيين، فأين جريمة الحرب هذه التي ارتكبها الفلسطينيون؟!
5- استخدم الاحتلال الإسرائيلي قنابل وأسلحة محرمة دوليا، مثل قذائف Dime، والقنابل الخارقة للتحصينات، والفوسفور الأبيض، بينما لم يستخدم الفلسطينيون إلا الأسلحة التقليدية.
6- يقول التقرير إن (إسرائيل) شنت أكثر من ستة آلاف غارة جوية، وأطلقت حوالي 50 ألف قذيفة مدفعية، وتشير المعطيات إلى أن الاحتلال ألقى 20 ألف طن من المواد المتفجرة، أي ما يوازي ست قنابل نووية. بينما لم يطلق الفلسطينيون –كما يقول التقرير- إلا 4881 صاروخا و1753 قذيفة.
7- تعمّد الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه قصف أهداف مدنية، مثل المنازل والمدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس والمؤسسات الاجتماعية والمرافق الحيوية، بينما ركزت ردود فعل المجموعات الفلسطينية على أهداف عسكرية، وهو ما يعترف به التقرير الذي يشير إلى مقتل 67 جنديا إسرائيليا.
8- لا يشير التقرير إلى أن (إسرائيل) رفضت السماح للجنة بالعمل، ورفضت استقبالها، ولم تقدّم لها المعطيات المطلوبة، واعتبرتها منذ اللحظة الأولى "معادية"، مع العلم أن (إسرائيل) عضو في الأمم المتحدة.
9- يقول التقرير "إن إسرائيل لم تعدل عن شنها للضربات الجوية، حتى بعدما اتضحت آثارها الوخيمة على المدنيين"، وهذا اعتراف من اللجنة بتعمد قصف الأهداف المدنية.
من هنا، ورغم أهمية إدانة (إسرائيل) من قبل لجنة دولية، إلا أن هذا التقرير مثل كل أعمال الأمم المتحدة يداري الاحتلال الإسرائيلي، ويحاول أن لا يستفزه، وأن لا يحمله مسؤولية جرائمه.
إن ما جاء في التقرير من أدلة ضد الحكومة الإسرائيلية هي جرائم حرب وإبادة، وكان الأولى المضي قدما في هذا التقرير، ومحاكمة قادة الاحتلال السياسيين والعسكريين، ومعاقبة دولة (إسرائيل) على ما ارتكبته، وإلزامها بالتعويض عن جرائمها، وبإعمار ما دمرته الحرب.
أما ذهاب التقرير إلى اتهام (إسرائيل) ومجموعات مسلحة فلسطينية بارتكاب جرائم حرب، فهي محاولة لمساواة القاتل بالضحية، ولممالأة الحكومة الإسرائيلية وعدم استفزازها، وهذا التقرير بهذا الشكل يوفّر لـ(إسرائيل) غطاء دوليا لارتكاب المزيد من جرائم الحرب والمجازر بحق المدنيين.