التحدث مع العدو، لماذا الآن؟

نقلت وكالات الأنباء الفلسطينية والمصرية هذا الأسبوع خبراً مفاده أن طوني بلير، مبعوث الرباعية المستقيل ورئيس الوزراء البريطاني السابق، اجتمع مؤخراً في الدوحة مع خالد مشعل. ونظراً لأنه لم يصدر عن أي من الطرفين تأكيد للخبر أو نفي له، فيبدو أنه الرجلين في الأغلب قد اجتمعا فعلاً.

هل كان مستغرباً أن يصافح طوني بلير خالد مشعل؟ لا، على الإطلاق. يقول جوناثان باويل، المستشار السياسي السابق لطوني بلير، في كتابه "التحدث مع الإرهابيين" إنه شخصياً رفض أثناء الاجتماع الذي عقد عام 1997 مع الزعماء الجمهوريين الإيرلنديين جيري آدامز ومارتين ماغينيس مصافحتهم، إلا أن طوني بلير "كان أكثر عقلانية وصافحهم بشكل طبيعي كما لو كان يلتقي بأي إنسان آخر"، وهو الأمر الذي حصل فعلاً.

بعد مغادرته مقر رئاسة الحكومة في داونينغ ستريت، اقترح باويل أنه يتوجب على بريطانيا أن تتحدث مع حماس، بل وحتى مع القاعدة. ونظراً لدفاعه القوي عن فكرة الحوار هذه، يمكن أن يتفهم المرء أن اللقاء مع خالد مشعل كان باستمرار يدور بالخاطر. ولكن لماذا الآن بالذات؟ 

يمكن أن تكون هناك أسباب عديدة لذلك. قد يقول البعض إنه بعد ثمانية أعوام من الفرص الضائعة، يبدو طوني بلير عاقد العزم على القيام بمحاولة أخيرة لضمان الخروج بسجل مشرف بوصفه مبعوثاً دولياً للسلام. ومع ذلك فليس وارداً أن تجري مباحثات بشأن سلام شامل ودائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وخاصة إثر إقرار باراك أوباما مؤخراً بأن ذلك ما كان ليتحقق خلال الفترة المتبقية من رئاسته، بينما قال وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ياعالون بأن ذلك لن يحدث فيما تبقى له من عمر.

ومع ذلك، فثمة ما يشير إلى تحقق إجماع في العواصم الأوروبية في الظروف الحالية حول الدفع باتجاه هدنة طويلة المدى بين حماس وإسرائيل. فالوضع في غزة، التي تخضع فعلياً لسلطة حماس، ما يزال قابلاً للاشتعال في أي وقت. وقد خلص استطلاع أخير للرأي إلى أن معظم الإسرائيليين يتوقعون أن يشن جيشهم حرباً أخرى عاجلاً لا آجلاً.

لم تتوقف وفود المسؤولين الغربيين خلال الأسابيع الأخيرة عن زيارة القطاع، وكان من ضمن الزائرين وزير الخارجية الألماني فرانك والتر ستاينميئير. كما وفد زائراً على قطاع غزة المحاصر يوم الخميس فيرناندو جينتيليني، المبعوث الأوروبي الخاص إلى عملية السلام في الشرق الأوسط، وتعدّ هذه هي الزيارة الأولى من نوعها لمسؤول في هذا المستوى. وقد صدرت عن الأمم المتحدة نداءات وتحذيرات صدح بها الأمين العام بان كي مون، حاثاً كلاً من إسرائيل ومصر على إنهاء الحصار القاسي.

إذن، ثبت بأن أهل غزة ليسوا وحدهم، وبأن العالم لم ينسهم. وها هم نشطاء حركة التضامن الدولية يركبون البحر تارة أخرى انطلاقاً من أوروبا في محاولة جديدة لكسر الحصار ووقف العملية التي وصفها المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه "بالإبادة العرقية المتزايدة" بحق الفلسطينيين في أراضيهم.

والحقيقة التي باتت واضحة للعيان، بالرغم من مخاطر تجدد الصراع، أنه لا حركة حماس ولا الإسرائيليون يرغبون في الدخول في مواجهة عسكرية هذا الصيف. فحماس تعلم جيداً أن الناس في غزة قدموا تضحيات جسام خلال السنوات الأخيرة، وأنهم الآن في أمس الحاجة إلى متنفس، وإلى فرصة لإعادة بناء حياتهم التي مزقت شر ممزق. والإسرائيليون كذلك دفعوا ثمناً باهظاً خلال مغامرتهم الخاسرة في العام الماضي، وما تزال أشلاء بعض جنودهم مجهولة المصير، الأمر الذي يعني الكثير بالنسبة للناس في إسرائيل.

وهنا يكمن موقع طوني بلير في الصورة الكلية. فليس معروفاً عنه أنه من محبي خالد مشعل أو من المعجبين به. وككثيرين غيره من الغربيين، يعتقد بلير بأنه بعد أن فقدت حركة حماس قاعدتها في سوريا، وفقدت معها الكثير من الدعم الذي كانت تحصل عليه من إيران، فلا بد أن الحركة مستعدة أكثر من أي وقت مضى لتقديم تنازلات.

لا يجوز بحال الاستخفاف بقرار طوني بلير التحدث مع العدو، ولا بد أنه كابد الكثير قبل أن يقرر المضي قدماً بخطوته تلك. بالإضافة إلى ذلك، ما كان ليقدم على مثل هذا التحرك دون أن يحصل على موافقة الإسرائيليين، وهم الذين طالما حرص على خدمة مصالحهم بكل إخلاص وتفان طوال فترة عمله ممثلاً للرباعية في الشرق الأوسط.

إذن، يبدو أن شيئاً ما يحدث في ما وراء الكواليس بشأن غزة. لكم صبر الناس هناك وصابروا، ولعل صبرهم وتضحياتهم توشك أن تؤتي أكلها. والحيلة الدبلوماسية المطلوبة تتعلق بإيجاد صيغة لإنهاء الحصار دون أن تفقد إسرائيل أو مصر ماء وجهها. وما من شك في أن قرار المحكمة المصرية في الأسبوع الماضي بإسقاط حكم سابق يصنف حركة حماس على أنها منظمة إرهابية خطوة في الاتجاه الصحيح، أياً كانت النوايا والأهداف.

لا نعلم يقيناً ما الذي جرى بين طوني بلير وخالد مشعل، ولكن بإمكاننا التكهن بأن مبعوث الرباعية المستقيل لابد أنه يبحث عن ضالة ما. 

على النقيض مما هو عليه حال معظم الأقطار في العالم العربي، لم مشهد فلسطين ظهور مصيبة مثل داعش. ورغم كل ما تعانيه حركة حماس من مشكلات، إلا أنها أثبتت قدرتها على احتواء مثل هذه التوجهات المتشددة داخل قطاع غزة. 

ولكن، إلى متى ستتمكن من الاحتفاظ بهذه القدرة في ظل الحصار الطويل والمستمر؟ بالنسبة لطوني بلير ومن يقف من ورائه، من الواضح أن التعامل مع عدو يعرفونه مفضل على التعامل مع عدو لا يعرفونه، ولعل هذا ما يفسر توجهه للتحدث مع خالد مشعل. إلا أن الذي لا يعرف يقيناً بعد هو: لماذا الآن؟



(ميدل إيست مونيتور)


الرابط https://www.middleeastmonitor.com/resources/commentary-and-analysis/19189-speaking-to-the-enemy-but-why-now