أعظم ما يراه الفاشلون إنجازا يسعدون به هو إعاقة مسيرة الناجحين ومحاولة إيقافها. وذروة نجاحهم هو أن يكونوا أقل الآخرين فشلا أو أكثر الفاشلين نجاحا.
هذا ما يمكنك أن تقرأه وأنت تشاهد النشوة والاحتفال والبهجة، التي عمت الأوساط المعادية لحزب العدالة والتنمية ومشروعه الحضاري والتنموي في تركيا فور ظهور نتيجة الانتخابات البرلمانية، التي تبوأ فيها الحزب الصدارة والفوز بنسبة تبلغ أكثر من ثلاثة أضعاف الحزب الذي حقق المعجزة السياسية لمجرد وصوله وتمثيله في البرلمان.
في العشرين من أيار/ مايو الماضي في العاصمة المصرية القاهرة؛ تصدرت صفحات الأذرع الصحفية عناوين الاحتفاء والثناء والترحيب بحزب "الوطن التركي"، باعتباره قريب الأيدلوجية من بعض الذين كانوا على رأس قيادات "جبهة الانقاذ المصرية"، الذراع السياسي للانقلاب والتي شكلت الحكومة إبان حدوث الانقلاب.
تبادل الطرفان ما جادت به قريحة كليهما من القصف السياسي لحزب العدالة والتنمية في تركيا ولجماعة الإخوان المسلمين في مصر، ولم تفوّت الأذرع الإعلامية الفرصة، وأفسحت مساحة واسعة من بثها للقاء القيادي بالحزب.
كان المشهد مثيرا للشفقة أكثر منه مثيرا للاهتمام إذ بدا المهتمون بالأمر كاليتيم الباحث عمن يكفله ويؤازره في وحشة الطريق.
بعد أسبوعين تقريبا من الزيارة؛ وقد ظهرت نتيجة الانتخابات البرلمانية وحجم الحزب الذي يمكنك مطالعة ما تم وصفه به من حجم وثقل بالقاهرة، إذا به يحصل على عدد من الأصوات تبلغ: مائة وواحد وستين ألفا وأربعمائة وواحد صوت بنسبة ثلث في المائة! من جملة الأصوات وبما لا يبلغ عُشر النسبة التي تسمح له بالدخول والتمثيل بالبرلمان بما يعني ألا وجود له أصلا في الخارطة السياسية.
وبينما كانت القاهرة مشغولة بالإعداد والاهتمام بشأن استقبال الحزب ذي الثلث في المائة من الأصوات، كان حزب العدالة والتنمية مشغولا بالإعداد والاهتمام بأكبر حدث خطف به أنظار العالم في غزة، وأبهر المهتمين بالشأن العربي والإسلامي، ألا هو الزفاف الجماعي لأربعة آلاف فتى وفتاة على أرض غزة الصامدة المحاصرة مصريا.
فور فقدان حزب العدالة والتنمية للأغلبية التي تمكنه من الحكم منفردا وتشكيل الحكومة هوت البورصة وتكبدت خسائر بنسبة ثمانية في المائة، وانهارت الليرة في تراجع مفاجئ أمام الدولار واليورو، بما خط رسالة وشهادة قاطعة من أرباب المال والاقتصاد بالثقة في حزب العدالة والتنمية وما أنجزه للبلاد والمواطنين والمستثمرين الذين استشعروا الخطر في ظل النتائج الانتخابية الجديدة التي أعلن الرئيس أردوغان والسيد داوود أوجلو احترامهما لها.
كان صعود حزب الشعوب الكردي هو كلمة السر للإطاحة بالعدالة والتنمية من الأغلبية، وقد حصل على نسبة 13,12% في المقابل حصل حزب الحركة القومية المناوئ والرافض لأي تنازلات أو مكتسبات للأكراد على نسبة 16,2 في المائة وبزيادة أكثر من مليون ونصف مليون صوت من الحزب الكردي.
السعداء بإزاحة حزب العدالة والتنمية عن الأغلبية في تقديري لم يتفهموا طبيعة الشعب التركي بعد. سواء كانوا من الغرب المتآمر على تركيا، أو حلفاؤهم من العرب الذين باتوا أسرى للمخططات الإجرامية للغزاة والمحتلين، ولم يعد لأهل الملة والتوحيد في خارطة إدراكهم وبنيتهم المعرفية مكان. لذا فهم يظنون أن الأتراك يمكن أن يكونوا بيادق أو أدوات في أيديهم أو خناجر في خاصرة أمتهم.
من السفه أن يضيع المرء وقته في محاولة إقناع أمثال هؤلاء الذين يقيسون شعوبا ظلت ترزح قرونا تحت الاحتلال الغربي، حتى تخلقت بأسوأ أنواع الأخلاق والقيم، بما قتل فيها كل دواعي الغيرة والمروءة، ولم يبق للإنسانية وحب الحرية في حياتها مكان على شعوب سادت الدنيا قرونا، وحاربت العالم كله حينا من الدهر، وفرضت إرادتها وحضارتها، وصنعت لنفسها مكانة بين الأمم تبذل من أجلها كل نفيس وغال.
الفائز الأول في هذه الانتخابات هو الشعب التركي الذي انتظر الانتخابات والصناديق ليعبر من خلالها عما جد في حساباته وتغير في آرائه تجاه حزبه الحاكم. والفائز الأكبر فيها هو حزب العدالة والتنمية الذي وضع تركيا في مكانها اللائق بها بما جعلها محط الأنظار، وهدفا عصيا على أذناب الاستعمار.
وأصبح معيار فشله ليس الهزيمة، وإنما عدم الجلوس على كرسي المجد منفردا دون منافس.
قال الشيخ العلامة الدكتور القرضاوي بعد نتيجة الانتخابات التركية: "كل تغير في نتائج الانتخابات لابد أن يخضع للبحث والتأمل لمعرفة متى، وأين، نتقدم؟ وكيف، ولماذا نتراجع؟ استعدادا للجولة القادمة".
وعن رأينا في أسباب تغير النتائج وتراجعها بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، فهذا مقالنا القادم بإذن الله، ولحين ذلك فلا يسعنا إلا أن نبارك للشعب التركي وحزب العدالة والتنمية فرحتهم وإنجازهم في مسيرتهم نحو غد يليق بأمة تحمل ميراث محمد الفاتح وتراث سليمان القانوني.
مبروك تركيا مبروك لحزب العدالة والتنمية.