نشرت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرا للصحافية لوري هننات من الـ"أسوشيتد برس"، تصف فيه مدى التطور الذي وصل إليه
تنظيم الدولة في خطابه للجمهور المستهدف.
وتبدأ الكاتبة تقريرها بوصف إحدى النشرات الإخبارية، التي يتحدث فيها المذيع بلهجة أمريكية عن التقدم الذي أحرزه التنظيم مؤخرا في المدن العراقية، بعد عزف موسيقى إخبارية ملائمة. وتقول إن النشرة لا تختلف كثيرا عن نشرة إخبارية على الإذاعة الوطنية العامة في الولايات المتحدة من حيث الشكل، ولكن هذا راديو البيان التابع لتنظيم الدولة، الذي يهدف لتجنيد المزيد من الأوروبيين.
ويشير التقرير، الذي اطلعت عليه "
عربي21"، إلى أن الأخبار التي يبثها راديو البيان كلها أخبار جيدة، فبحسب روايتهم، يهرب جنود الأعداء أو يقتلون دائما، وتنتهي الأخبار دائما بارتفاع في الموسيقى، وشكر للمستمعين لحسن استماعهم.
وتذكر الصحيفة أن أسلوب الإخراج على النمط
الغربي يبين مدى التطور لدى المتطرفين الإسلاميين، مقارنة بالرسائل السابقة، التي كان تنظيم
القاعدة مثلا يحاول إيصالها للغرب. ففي عام 2012 كانت الرسالة، التي هدد فيها مسن فرنسي فرنسا، في فيديو مسجل له، وهو يجلس أمام العلم الأسود لتنظيم القاعدة، باسم تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، حيث كان الفيديو بنوعية رديئة وفيه قليل من الإخراج الفني.
وتبين هننات أنه بخلاف ذلك، فإن إذاعة البيان، التي تتواصل مع المستمعين يوميا، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، تأمل في زيادة عدد المقاتلين الغربيين في صفوف تنظيم الدولة، والمتوقع أن يصل هذا العام إلى 10 آلاف شخص.
ويلفت التقرير إلى أنه في الوقت الذي استهلك لجلب الفرنسي جايلز لي غوين إلى المحكمة، ففد قام من خلفه من الغربيين بتطوير طرق تجنيدهم بطريقة قد تعجب شركة علاقات عامة في نيويورك.
وتوضح الصحيفة أن فيديوهات تنظيم الدولة تتضمن الموسيقى المناسبة والشباب الوسيمين، وتستخدم أساليب تحرير شبيهة بدعايات السياحة أو الدعاية لآخر الألعاب الإلكترونية. وتتم الدعاية بعدة لغات، وتنقل أخبار الهجمات، وتظهر شبابا يتدربون من خلال القفز من الأطر المشتعلة، أو يتعلقون بالقضبان وهم يتحركون بسرعة فوق النيران المشتعلة.
وتشير الكاتبة إلى أن فريقا من المشجعين الجالسين على الكراسي، يساعدونهم في نشر دعايتهم، عن طريق نشر الدعاية على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويجد التقرير أن المصورين أنفسهم يعدون أبطالا، ففي فيديو مكرس لمجاهدي الدعاية، يقول أحد المقاتلين إن الدعاية "نصف المعركة أن لم تكن معظمها".
وتورد الصحيفة أنه بهدف
تجنيد الأطباء مع التنظيم، يظهر فيديو نشر في شهر نيسان/ أبريل، أطباء يلبسون ملابس غرفة العمليات النظيفة، والأجهزة الطبية المعقمة، ويظهر أسترالي حليق ذو عينين زرقاوين، يطوف في قسم جديد للولادة، ويعد المجندين الجدد بأنهم سيساعدون المسلمين، الذين يعانون من نقص في المتختصصين في العناية الطبية. وتشعر لدى مشاهدة الفيديو كأنك تشاهد دعاية للخدمة العامة على التلفزيون خلال ساعات النهار.
وتذكر هننات أنه في حوار على شبكة التواصل "آسك إف إم"، يعد رجل، يقول إنه مواطن بريطاني في الدولة الإسلامية، القادمين الجدد بالدراسة في كلية الطب بأقل الشروط، وفي تغريدة أخرى يمتدح شخص، يقول إنه بريطاني، الغاز المدعوم والماء المجاني والعناية بالإنسان، التي تفوق الخدمات المقدمة في الغرب.
وينوه التقرير إلى أن عددا من الأشخاص يتكررون في أشرطة الفيديو، ويبدو أنهم المجندون الرئيسون، وأحدهم امرأة من غلاسكو، تقول التقارير إنها تساعد بإرسال الفتيات البريطانيات إلى سوريا. بالإضافة إلى مقاتل هولندي يقدم المقابلات على موقع "تامبلر"، وآخر فرنسي ذي عينين زرقاوين، يظهر في العديد من الفيديوهات.
وتكشف الصحيفة عن أنه عندما اعتقل لي غوين، قال وزير الدفاع الفرنسي أستطيع عد أولئك الذين يريدون القتال بجانب المتطرفين الإسلاميين على أصابع اليد الواحدة، ولكن الآن ومع عمليات التجنيد، التي تتم بالجملة، أصبح المتطرفون الإسلاميون يشكلون مصدر الخطر الأكبر على أوروبا وأمريكا.
وترى الكاتبة أنه من الواضح أن تنظيم الدولة يريد تجنيد أي شخص يستطيع أن يساعد في منطقة الحرب في سوريا والعراق، ويشجع على السفر باتجاه واحد، وخاصة بالنسبة للرجال.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن تحذيرات الحكومات الغربية من مخاطر الانضمام لتنظيم الدولة، لم تقلل من عدد الراغبين في الانضمام من تلك الدول، وخاصة أن من مروا بتجارب سيئة مع تنظيم الدولة لا يعطون رواية مغايرة؛ خوفا من الانتقام. وفي الوقت ذاته تفشل الدول الغربية في محاربة خطاب تنظيم الدولة، لأنها دول لا يمكن الثقة بها ولا بإعلامها، الذي يتقن إعلام التنظيم تقليده.
وتشير الصحيفة إلى أن مجندي التنظيم يكونون غالبا شبابا في مقتبل العمر، فمتوسط اعمار المجندين من فرنسا، وهي المصدر الأكبر للمجندين من الدول الغربية، في منتصف العشرينيات. أما الفتيات فيكن أصغر من ذلك، ويقدم التنظيم لهم كل ما يحلمون به: الحكم بالشريعة والهدف الأسمى للحياة والحرب ضد الديكتاتور، والمساعدات الإنسانية والأسلحة الرشاشة والعنف لمن أراده.
ويرى القائد الأعلى لقوات الناتو الجنرال فيليب بريدلوف أن التنظيم نجح في معرفة ما الذي يجذب الشباب، وقدمه في دعايات التجنيد على الإنترنت، ويستمر بعد التجنيد في التعامل مع الأساسيات التي يريد المجند تحقيقها، وإشعاره بأنه جزء من شيء أكبر لأجل الخير، بحسب الصحيفة.
وتنقل الكاتبة عن جون هورغان من مركز دراسات الإرهاب في جامعة ماستشوستس، قوله إن الحكومات فشلت في محاربة الرسالة المصممة جيدا؛ لأنها نظرت إلى نوعية الناس الذين يقعون في فخ الدعاية، وليس محتوى الدعاية ذاتها، فبالنسبة للشباب فإن الأمر "مثير جدا أن يكونوا جزءا من هذا التنظيم السري، وعندما يتجذر هذا المفهوم فإن الشعور يكون أقوى من أي شيء نستطيع فعله لمحاربته".
ويذهب التقرير إلى أن الدليل الإلكتروني، الذي يعطي إرشادات السفر، يصور الأمر على أنه مغامرة جميلة، ويقول للمجندين ماذا يحضرون معهم من سكاكين وشواحن هواتف نقالة تعمل بالطاقة الشمسية، وغيار من الملابس لاستخدامه بعد قطع الحدود من تحت الأسلاك الشائكة.
وبحسب الصحيفة فإن القليل ممن تركوا التنظيم يتجرأون ويتحدثون بسلبية عنه، فالتنظيم يهدد الخونة بالقتل، ويقوم بذلك هناك، ولكن لم يقم بتنفيذ تهديده في الغرب.
ويرى بيتر نيومان من مركز دراسات التطرف والعنف السياسي في جامعة كنغز كوليج في لندن أنه يجب أن تسمع أصوات هؤلاء، وعلى الحكومات الغربية أن تطمئنهم بأنها ستحفظ سلامتهم؛ لأن شهاداتهم ضرورية جدا في محاربة محاولات التنظيم لتجنيد الشباب الأوروبي. فالرواية الآن هي رواية تنظيم الدولة، فلو كان هناك ما يقابلها من مقاتلين سابقين فإن الأمر سيختلف.
وتقول هننات إن الشاب البلجيكي أنيس، الذي ظن أن اسمه العربي يلغي أي فرصة له في العمل في بلده، لن يستطيع أن يروي قصته.
وينقل التقرير عن والدته قولها إنها وجدت له بعض الوظائف هنا وهناك، وحاولت إقناعه أن مكانه هو في بلجيكا، "وأن له مستقبلا، وأن الجهاد هو أن يملك الشجاعة للبحث عن عمل كل يوم"، وكانت تتحدث لـ"لأسوشيتد برس"، بشرط عدم ذكر اسمها؛ خوفا على وظيفتها الحكومية.
وتضيف والدته: "قالوا له إن بإمكانه مساعدة الناس في سوريا". واتصل بها بعد ذلك من سوريا، وقال لها إن حلمه إقامة الخلافة والشهادة.
وتختم "كريستيان مونيتور" تقريرها بالإشارة إلى أن أنيس (19 عاما) قد فقد حياته في آخر يوم من شباط/ فبراير، في معركة مطار دير الزور في سوريا. وأخبرت أمه بأنه قتل برصاصة في رأسه، وإنه دفن في نقطة بالقرب من سقوطه.