في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية الصعبة التي يعانيها
لبنان، تعيش
الفنانة التشكيلية اللبنانية
هوني أبو الحسن في عالمها الخاص، حيث إنها تسترق بريشتها الفرح والحياة وتجسّدهما حلما يغرق بالألوان.
مشغل هوني المتواضع، والذي يقع في منطقة حمّانا بمحافظة جبل لبنان (26 كم شرقي بيروت وترتفع 1100م عن سطح البحر)، يطل على وادي لامارتين الشهير في لبنان، والمنتسب للشاعر الفرنسي المعروف ألفونس دو لامارتين (1790 – 1869) الذي كتب القصائد متغنيا بجمال هذا الوادي.
هناك ترسم هوني لوحاتها بين زحمة الأدوات والأقمشة والصور، حيث إن كل لوحة من لوحاتها تحكي قصة وتحمل عبرة لا تنسى.
تقول هوني لمراسل وكالة "الأناضول"، التي زارتها في عالمها الخاص: "بريشتي أضع النقاط على الجرح، فتتكلم عن أوضاعنا اليومية الصعبة".
وكما تمزج هوني الألوان قبل الغوص في الرسم، فإنها تشعر منذ 30 عاما بأنها جزء من ريشتها "التي تجوب العالم من أجل رفع اسم لبنان".
وتضيف: "أنا جزء من هذه الريشة التي تعكس صورة المجتمع وبأعمالي الكثيرة التي أقوم بها، أركّز على الوطن والقضية، المرأة والأم والطفل والمشاعر الإنسانية، خصوصا تلك المتعلقة بالكرامة وعزة النفس والقوة والصمود".
في أعمال هوني غربة وحبّ جامح، وأنوثة صاخبة وراقية، وتحرّر من المحظورات وحفاظ على التقاليد في الوقت عينه.. حالات حزن وفرح وضياع وأمل تتغير وفق المكان والزمان، يختبرها المرء في لوحاتها.
"أشعر بسحر روحاني وشعور وطني لا يوصف أثناء تواجدي في هذا المشغل"، تقول هوني التي تشير إلى أن أغاني الفنان اللبناني الراحل وديع الصافي هي المحرّك الأساسي لمخيلتها أثناء الرسم، فصوته يزيدها عشقا للبنان، بحسب تعبيرها، ويعطيها القوة لإطلاق مخيلتها "بألوان الأرض وعنفوان الجسد".
حولت هوني فنها إلى رسالة إنسانية قوية ومؤثّرة، وكرّسته في المساهمة في تمتين أواصر العيش الواحد بين اللبنانيين، خصوصا في منطقة جبل لبنان الذي وقع في فخ الحرب الأهلية والتقاتل عام 1982، بين أحزاب مسيحية وأخرى تابعة للطائفة الدرزية.
قبل نحو ست سنوات، قامت هوني برسم جدارية ضخمة للسيد المسيح، وأرسلتها إلى الفاتيكان لتتلقى بعد أشهر رسالة شكر من البابا الأسبق "بندكتوس السادس عشر" الذي طلب منها الاستمرار في "رسالة لم الشمل والتقارب بين الجماعات اللبنانية ومختلف الأديان والثقافات".
تقول هوني: "لقد رسمت السيد المسيح بكل تواضع وخشوع ومحبة واحترام، وبكيت خلال قيامي بهذا العمل، كنت أستمع لتراتيل السيدة فيروز، وأتذكر لبنان الوطن الفريد الذي يجمع كل التناقضات، واستذكرت الحرب الأهلية وجروحاتها".
ولم تتوقف رسالتها عند الحدود اللبنانية، فقد رسمت هوني الثورة المصرية وآلام غزة، وصمود العراق والجوع العالمي، وتضحيات الجيش اللبناني على الحدود الشرقية مع سوريا.
والفن لدى هوني هو "الرسالة الأسمى والأصدق"، وقد رسمت خمسة آلاف لوحة حتى الآن، "والرسالة مستمرة ولن تتوقف في رفع اسم لبنان في كل مكان".