"
كرسي الزيدية" اسم ارتبط بمدينة "
ذمار" اليمنية، نظرا للمد الزيدي الذي طالها بفعل تعاقب دولة الأئمة عليها خلال القرون الأخيرة، واتخاذ مناطق منها عواصم لحكم الأئمة، خلال فترتين من الزمن، كانت الثانية حكم أسرة بيت حميد الدين الذي انتهى بقيام ثورة 1962.
وبناء على المعطيات السابقة راهنت جماعة
الحوثي وعلي
صالح علي المدينة الواقعة على بعد (100كيلومتر) جنوب العاصمة صنعاء، التي بدأت مظاهر الرفض والمقاومة ضدهما تتشكل الميدان، وتتخذ أشكال مختلفة.
ويتمركز الولاء لعلي عبدالله صالح والتواجد الحوثي بشكل كثيف في مناطق مديرية آنس التي تبعد خمس كيلو مترات غرب المدينة، وبها كثافة سكانية هائلة، وأغلب أبنائها منتسبون في وحدات الحرس الجمهوري المنحلة التي كان يقودها نجل صالح العميد أحمد قبل الإطاحة قبل عامين.
غير أن إنشاء شقيق الرئيس اليمني الحمدي "المقدم عبدالله الحمدي" في ذمار قوة عسكرية عرفت بـ "لواء العمالقة" أسهم في الحد من الولاء المذهبي إلى الحب الشديد للرئيس إبراهيم الحمدي الذي اغتيل في تشرين الأول/ أكتوبر1977، وهو ما جعل المدينة تتخذ موقفا معاديا من علي عبدالله صالح خلال الفترة الأولى من حكمه.
واستطاعت المعاهد العلمية التي تأسست في السبعينات من قبل الجماعات الإسلامية السنية وخصوصا "الإخوان المسلمين" تفكيك هذه البنية المذهبية المحصورة للمذهب الزيدي، وهو ما أتاح الحصول على موطئ قدم.
وصارت مدينة ذمار تحتضن مراكز سنية عديدة حتى بلغت نسبة السنة فيها بنحو 40 في المائة تقريبا، ولعل أبرزها مركز للسلفيين في منطقة معبر وسط المدينة، والذي كاد الوضع أن ينفجر عسكريا بين السلفيين يقودهم الشيخ محمد الإمام، والحوثيين أثناء دخولهم المدينة نهاية 2014، ليتم نزع فتيل الأزمة بينهما بالتوقيع على تسوية رعته وساطة.
ملامح النشاط المقاوم للحوثي وصالح.
اتخذ النشاط المقاوم الرافض للحوثيين في ذمار حاليا، استراتيجية "نصب الكمائن" المسلحة للتعزيزات المتجهة إلى مدن جنوب البلاد، وقد نجحت بعض هذه العمليات في استهداف تعزيزات عسكرية للحوثيين على الطريق الرئيسي المؤدي إلى مدن وسط وجنوب اليمن.
ويرى مراقبون أن محاولات المناوئين للحوثي وصالح تحقيق تواجد كبير لهم في مدينة ذمار من خلال الثورة المسلحة ضدهما، من الصعب التكهن بنجاحها، في ظل وجود العديد من المحاذير الاجتماعية والأمنية، والتي تمثل عائقا أمام الانتفاضة المسلحة، والتي ستبقى معزولة عن المناطق الأخرى، لكونها تقع بالقرب من صنعاء والبيضاء الذي يسجل الحوثيون، وقوات المخلوع صالح حضورا قويا يمكن أن تساهم بصورة أو بأخرى في إخمادها.
الرهان على ذمار سقط
ويقول الكاتب والمحلل السياسي عبدالله المنيفي إن "رهانات الحوثي وصالح، على مدينة ذمار التي يدعي أنها "كرسي الزيدية"، ستسقط تحت ضربات
المقاومة في المدينة التي بدأت بنصب الكمائن المسلحة، بالتوازي مع حشود جماهيرية رافضة لسياسة العنف التي تنتهجها قوات صالح والحوثي".
وأضاف عبدالله المنيفي، في تصريح خاص لـصحيفة "
عربي21" أن "أضرار مليشيات الحوثي طالت كل شيء في مدينة ذمار، بدء بمؤسسات الدولة التي سيطرت عليها، واحتكار الخدمات الأساسية على أسر حوثية في تمييز واضح، فضلا عن الاضطهاد الذي يمارس ضد فئات وشرائح المجتمع، عبر اختطاف العشرات، وقمع الاحتجاجات المناوئة لهم"
وقال المنيفي إن"خروج أبناء مدينة ذمار لمقاومة الانقلاب الحوثي المدعوم من المخلوع علي عبد الله صالح، أصبح ضروريا، ولطالما التحمت مدينة ذمار مع المحافظات اليمنية الأخرى في ثورة 11 من شباط/ فبراير 2011 ضد صالح، لاشك أنها ميلاد المقاومة بات قاب قوسين أو أدنى".
غير أن تمادي الحوثيين وقوات المخلوع صالح ضد قبائل ذمار، واستهدافهم، وكان آخرها تفجير منزل رئيس هيئة الأركان العامة المعين من الرئيس هادي اللواء محمد علي المقديشي وهو من قبيلة عنس، مثلت عوامل مجتمعة لأن يختار الذماريون المقاومة طريقا اجبروا عليه"، وفقا للمنيفي.
ويعتقد الكاتب اليمني أن "كل فئات المجتمع السياسية والاجتماعية في مدينة ذمار، رأت أن المقاومة أصبحت خيارا، وحيدا لمواجهة عنف جماعة الحوثي الطائفية التي قدم مسلحوها من شمال الشمال، لتجاوز مكتسبات الشعب وتضحياته من أجل الحرية التي أصبحت منعدمة". لافتا الى أن "المقاومة بنظر أبناء ذمار جاءت متناغما مع النشاط المقاوم في إنحاء اليمن".
نشاط المقاومة تزايد
من جهته، أكد الكاتب والباحث السياسي أمجد خشافة أن "رهانات علي عبدالله صالح والحوثيون، سقطت في مدينة ذمار جنوب صنعاء، بعدما مثلت الحاضنة البشرية لقوته والداعمة لسياسته طيلة فترة حكمه للبلاد".
واستدل خشافة، بـ"النشاط المقاوم المتزايد لأبناء المدينة ضد قوات صالح، ومليشيات الحوثي خلال الفترة الحالية"، وكما انتفض أبناء ذمار في 2011 ضد نظام علي صالح، والتي كانت انتفاضتها سابقة لهذه المدينة باعتبار أن قيادات الدولة السياسية المنتمون للمدينة كانوا من ركائز نظام صالح.
وأوضح الباحث خشافة، في تصريح خاص لـ"
عربي21"، أن "التركيبة الديموغرافية لمحافظة ذمار، الخاضع لخريطة المذهب الزيدي، الذي ينتمي إليه رئيس اليمن المخلوع صالح والحوثيين، إلا أن كثير من أبنائها خرجوا عن قبضتهما لمحددات عدة".
وأبرزها وفقا لخشافة، "مشاركة الكثير من جنود أبناء هذه المحافظة في حروب صعدة الستة ما بين (2004-2009) ضد الحوثيين، والذين سقط منهم العشرات"، وهذا ما رسخ لديهم قناعة أن "جماعة الحوثي متمردة، ويتم التعاطي حاليا بناء على هذه الصورة الذهنية التي تتجاوز مسألة التوصيف المذهبي، باعتبارهم منتمين للمذهب الزيدي".
والمحدد الثاني :"تزايد الجرائم التي قام بها مسلحو الحوثي في المحافظة خلال السبعة الأشهر الماضية، ضد خصومهم السياسيين، أدى إلى حالة سخط مجتمعي". بالإضافة إلى تنامي الخلاف بين مسلحي الحوثي القادمين من مدينة صعدة (معقلهم الرئيسي) مع (المتحوثين) من أبناء مدينة ذمار، انعكس على الواقع" وهو المحدد الثالث. بحسب الباحث اليمني خشافة.
وأشار المتحدث ذاته، إلى أن "تلك المحددات على ما يبدو، دفعت أبناء محافظة ذمار بالانخراط ضمن المقاومة الشعبية ضد صالح والحوثيين، ورفض تواجدهم في مدينتهم".
وشهدت مدينة ذمار تحركات محدودة، في الأسابيع الماضية، من قبل مسلحين قبليين تحت مسمى "المقاومة الشعبية" ضد تعزيزات الحوثيين وقوات صالح المتجه نحو مدن وسط وجنوب اليمن.