كتب علي بيرم أغلو: إن السياسة تعني المناقشة والحوار، وتعني
التفاوض في حل الأزمات والمشكلات، وهي أيضا نوع من أنواع التواصل. والسياسة هي تضاد الأفكار والرؤى بين المجتمع ضمن قوانين محددة، يحاول الآخر التأثير على نظيره. وكما هي حرية التعبير أيضا. وعندما ينتهي النقاش وحرية التعبير يحل مكانه
العنف والشتائم والصراع.
والشتيمة والعنف لا ترمز لقلّة الحياء فقط. فهي عقلية رفض وتهميش فكر الآخر وإعلانه عدوا أيضا. وفي
تركيا نرى، ومن خلال الشكل الظاهري أوالفعلي للعنف، تنمية بؤر التحريض، خاصة حول سيرة عملية السلام، التي تقودها الحكومة التركية في مبادرة منها لإحلال السلام والسلم الأهلي في تركيا بين كافة أطياف ومكوّنات المجتمع التركي ويخص بها المكون الكردي.
هذا العنف بدأ يتشكّل مع اقتراب انتخابات السابع من حزيران/ يونيو المقبل. وخاصة مع سير عملية السلام التي تهدف إلى الاستقرار، على الأقل في المدى القريب، وإيجاد حل سياسي للمشكلة الكردية في المدى المتوسط ثم الانفتاح الديمقراطي.
مبادرات العنف هذه التي تنطلق من عدة جبهات تشير إلى نقطة واحدة وهي، تضييق المجال السياسي ثم خلق عنف واشتباكات ضمن تلك الحلقة الضيّقة وتحويلها إلى حرب أيديولوجية، وبالتالي حظر كل سبل المناقشة والحوار. وهذه المبادرات هي أكبر تحد أمام الديمقراطية اليوم. فالعنف يظهر اليوم بأشكال وألوان مختلفة، ويضع العقبات أمام فرص الحوار والنقاش.
وهنالك أفراد في المجتمع وصل بهم العنف إلى درجة أنهم قالوا: "مالذي تعنيه بالصورة الفسيفسائية؟لا تتحدّث لي عن التنوّع بين الشعب" في إشارة منهم إلى تهميش باقي مكوّنات الشعب والمجتمع. كم شاهدنا أناسا فَرِحوا بعمليات اغتيال أو تصفية رموز المجتمع، وعند الحديث عن خطأ أو جريمة ارتكبها فرد ينتمي له الطرف الآخر، يشتاط غضبا وعنفوانا ضدّنا!
المشكلة الكردية هي الآن مشكلة دولة بأكملها من الناحية السياسية. فهي مشكلة إسطنبول وأنقرة وإزمير وأضنة ومرسين، ولا تقتصر على ديار بكر ووان، أو المناطق الشرقية للبلاد التي يشكّل المكون الكردي فيها أغلبية السكّان. فهي أزمة ما زالت مستمرّة من 25 إلى 30 عاما، في المناطق التي شهدت وتشهد مظاهر العنف والاشتباكات المسلّحة والاضطرابات وبالتالي الأزمات السياسية. ومن النتائج الكارثية التي ألحقها عنف الثلاثين عاما نزوح الأهالي من مناطقهم، وتولّد كره بين الأتراك والأكراد.
وبعدما شاهدنا مخلّفات العنف الذي جلب الدمار لنا، فإن علينا إيقاف العنف والآثار التي تؤدي إليه.
(عن صحيفة "يني شفق" التركية- ترجمة: عربي21)