نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا حول الهزائم التي مني بها الجيش السوري مؤخرا، كتبه كل من آن بارنارد وهويدا سعد وإريك شميت، قالوا فيه إن الجيش السوري يجد صعوبة في تعويض خسائره البشرية، فحتى العائلات المؤيدة للحكومة ترفض إرسال أبنائها ليقاتلوا مع وحدات مكشوفة على الخطوط الأمامية، وهذه التطورات الجديدة تثير أسئلة حول إمكانية استمرار حكم بشار
الأسد.
وينقل التقرير، الذي اطلعت عليه "عربي21"، عن مسؤول أمريكي كبير في واشنطن، مشترطا عدم ذكر اسمه، لحساسية المعلومات الاستخباراتية التي يستند إليها في تقديراته، قوله: "مستقبل الأسد يبدو سيئا، ويسوء أكثر"، ولكنه حذر من أن الأمور لم تصل بعد إلى "نقطة الغليان".
وتبين الصحيفة أن تآكل الجيش اضطر الحكومة لزيادة اعتمادها على المليشيات السورية والأجنبية، وخاصة
حزب الله، فحزب الله يقود المعركة في أماكن كثيرة، ما أثار حفيظة عدد من الضباط السوريين، بحسب ما نقله جنود سوريون، وأكده المسؤول الأمريكي، وآخر سوري على علاقة وثيقة بالأجهزة الأمنية. وطلب معظم السوريين الذين تمت مقابلتهم حذف أسمائهم جزئيا أو بالكامل؛ خوفا من عمليات الانتقام.
ويذكر التقرير أن قوات الحكومة قد انهارت هذا الشهر، أو هربت من عدة مناطق كان يشار إليها على أنها مثال لسيطرة الحكومة، حيث سيطر الثوار على
إدلب، التي تعد عاصمة إقليم الشمال، كما سيطروا على المعبر الحدودي الوحيد مع الأردن في الجنوب.
وتورد الصحيفة أن الهجمات المضادة قد فشلت، وأحرز تحالف الثوار الجديد تقدما قرّبه جدا من معاقل النظام القوية في المناطق الساحلية. ويتألف التحالف بشكل رئيس من مجموعات إسلامية، تضم جبهة النصرة المنتمية لتنظيم القاعدة، ولكنها تعادي تنظيم الدولة.
ويرى معدو التقرير أن هناك مؤشرات على الإجهاد في أنحاء البلاد، بما يتناقض مع الثقة التي يحاول الأسد عكسها في العلن. وقد أقالت الحكومة رئيسين لاثنين من أجهزة المخابرات الرئيسة بعد خلافات بينهما، وقد مات أحدهما فيما بعد، بسبب ضربه من حراس الآخر.
ويلفت التقرير إلى أن المسؤولين في عواصم الأقاليم مثل حلب ودرعا، جهزوا خطط طوارئ للحفاظ على الأموال والآثار وإجلاء المدنيين. وتناقص احتياطي البلاد من العملة الأجنبية من 30 مليار دولار في بداية الحرب إلى مليار دولار الآن.
وتقول الصحيفة إن معاناة الأقاليم الساحلية المكتظة تزداد مع وصول أعداد جديدة من إدلب، وقال بعضهم إن المسؤولين لم يسمحوا لهم بالدخول. وفي وسط دمشق هناك عدد أقل من الحواجز العسكرية وعدد الجنود في كل حاجز أقل من ذي قبل، حيث يتم إرسال مقاتلي المليشيات إلى أطراف المدينة، وازداد تهرب الشباب مؤخرا من الخدمة العسكرية.
وتضيف "نيويورك تايمز" أنه حتى في مناطق الأقليات التي تخشى المتطرفين، مثل جبهة النصرة وتنظيم الدولة، مثل مناطق الدروز في الجنوب والآشوريين في الشمال، والإسماعيليين في حماة، يقول السكان إنهم يحاولون إرسال أبنائهم للخارج كي يتجنبوا التجنيد. أو يبقوهم في قراهم لحمايتها.
ويذهب التقرير إلى أن هذا حوّل الجيش السوري، الذي كان لديه مركزية في قيادته، إلى شكل شبيه بالثوار، عبارة عن فسيفساء من المقاتلين المحليين والأجانب، الذين لا تلتقي مصالحهم دائما.
وتذكر الصحيفة أت عدد أفراد الجيش السوري كان قبل أربع سنوات 250 ألف فرد، وتناقص إلى 125 ألفا؛ بسبب القتل والفرار من الخدمة، بالإضافة إلى 125 ألف رجل مليشيات مؤيدة للحكومة، بينهم عراقيون دربتهم
إيران، وباكستانيون وأفغان من الهازارا، بحسب المسؤول الأمريكي.
وينوه التقرير إلى أن السوريين فقدوا السيطرة، خاصة في المناطق التي يقاتل فيها حزب الله، وهو أكثر المليشيات الأجنبية تدريبا وتسليحا.
وتنقل الصحيفة عن السوري المطلع أمنيا قوله: "في كل مكان يتواجد فيه حزب الله، فإن القيادة تكون بأيديهم.. وإن أردت أن تفعل شيئا عليك أن تستأذنهم". وأضاف أن هذا أثار غضب المسؤولين الأمنيين الكبار، الذين تذكروا أيام حكم حافظ الأسد في الثمانينيات، حيث كانت إيران هي الشريك الأصغر في الحلف مع
سوريا.
وقال المسؤول الأمريكي للصحيفة إن أمريكا تدرس كيف تستغل هذا التوتر بين القيادات السورية وقيادات حزب الله. وقال مسؤول في المنطقة متعاطف مع حزب الله إن الأعداء يحاولون استغلال توترات طبيعية "تحصل بين الحلفاء وبين الإخوة والأخوات في البيت الواحد"، ولكنهم لن ينجحوا.
وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، لكشفه عن معلومات داخلية: "حتى لو حارب حزب الله وحده، فإنه يقوم بذلك بموافقة سورية، فحزب الله مجرد حجر يساعد في البناء"، بحسب الصحيفة.
ويستدرك التقرير بأن آخرين يرون أن خسارة السيادة السورية تأتي لصالح إيران، التي تحتاج إلى سوريا معبرا لتسليح حزب الله. ويقول المتخصص في سوريا في معهد بروكنغز في الدوحة تشارلز ليستر إن إيران بمساعدة حزب الله والمليشيات الأخرى تبنت "دولة داخل دولة في سوريا، وهي سياسة تأمين على مستقبلها هناك، في حال سقط الأسد".
ويورد التقرير قول علي (23 عاما)، وهو جندي مجاز في دمشق، كان في الجبهة الجنوبية، إن أحد ضباطه، وهو رائد، كان يشكو من أن أي مقاتل من حزب الله "أكثر أهمية من جنرال سوري".
وتفيد الصحيفة بأن هناك أيضا حسدا، فمقاتلو حزب الله يدفع لهم بالدولار، بينما يدفع للجنود السوريين بالليرة السورية، التي يتناقص سعرها. وقال علي إن مقاتلي حزب الله يستخدمون سيارات جديدة، ويأكلون الأرز واللحم، بينما يستخدم الجنود السوريون سيارات روسية قديمة، ويأكلون الخبز المتعفن.
وينقل التقرير عن طالب هرب من دمشق قريبا لكثرة توقيفه على الحواجز، ليثبت أنه ليس جنديا هاربا، قوله إن حزب الله يدير المنطقة التي يسكن فيها في المدينة القديمة، وساعدوه مرة في حل مشكلة بين أخيه وقوات الأمن، وقال إن الشرطة السورية لا يراها أحد، حتى أن الناس أصبحوا يدخنون الحشيش بشكل علني.
وقال الطالب الذي عرف نفسه باسم حامد للصحيفة: "إن كانت لديك واسطة عند حزب الله فمشكلاتك كلها محلولة".
ويجد معدو التقرير، الذي ترجمته "عربي 21"، أنه مع هذا فلن يستطيع حزب الله الحفاظ على الأسد، كما فعل عام 2013، عندما زج بمئات المقاتلين لهزيمة الثوار في منطقة القصير، بالقرب من الحدود اللبنانية.
وتشير الصحيفة إلى أن لدى حزب الله الآن من المقاتلين والمستشارين في سوريا أكثر من أي وقت مضى، حوالي خمسة آلاف، بحسب مسؤولي الاستخبارات الأمريكية، ولكن السوري المطلع أمنيا قال إنهم يتدخلون فقط في المناطق التي تهمهم.
أما المسؤول المتعاطف مع حزب الله فقال للصحيفة إنه قد يكون هناك آلاف من مقاتلي الحزب على امتداد الحدود اللبنانية، ومئات على الحدود الجنوبية مع إسرائيل، وعشرات فقط في محيط حلب، وليس لديهم أي مقاتلين في إدلب التي سقطت؛ لأن الضباط السوريين لم يقدروا التهديد كما يجب.
ويورد التقرير أن السوري المطلع أمنيا يقول إن القيادة لم تضع الدفاع عن إدلب إحدى أولوياتها، وقال إن العديد من الجنود هربوا بعد أن قام الثوار بضرب شبكة الاتصالات الخاصة بهم، وبدأوا برفع التكبيرات من المساجد.
وأضاف مشيرا إلى الأسد: "دمشق والساحل وغير ذلك، ليس هناك شيء مهم، ولا يهمه حتى لو دمرت سوريا كلها".
وتنقل الصحيفة عن جندي خدم طويلا في الجيش، قوله إن ابن عمه اضطر للاتصال على عجل بأمه ليودعها من مخبأ في إدلب. وقال الجندي، الذي يخدم على جبهة أخرى، وفقد عما وابن عم في المعركة، إنه غضب جدا عندما علم أن الجنود العشرة الذين حوصروا هناك لم تكن لديهم حتى سيارة يستخدمونها للهرب.
ويضيف الجندي، الذي اشتكى من أن راتبه الشهري لا يكفي لمصاريف عشرة أيام: "لو كان عندي ولد فلن أرسله إلى الجيش.. فلأي شيء يموت أو يذبح؟"، وفق التقرير.
وبحسب التقرير، فإنه في السويداء المؤيدة بشكل عام للحكومة ذات الأغلبية الدرزية، قال أبو تيم وهو ناشط درزي: "في كل بيت هناك على الأقل شخص مطلوب للتجنيد". وأضاف أن أحد أصدقائه تم اعتقاله الأسبوع الماضي للتهرب من الخدمة، ولكن سكان القرية هاجموا رجال الأمن، واعتقلوا أحدهم، ثم بادلوه بالشاب المسجون. مبينا أن الحكومة حاولت تجنيد شباب دروز ليدربهم حزب الله، ولكن قليلا منهم من سجل اسمه، بعد ما علموا أنهم سيستخدمون لقتال جيرانهم السنة في درعا.
ويقول ماجد (19 عاما)، وهو درزي ساعده أبوه في تجنب التجنيد، للصحيفة: "التطوع في الجيش في هذا الوقت حماقة، إن لم نقل مخاطرة، فعندما يذهب النظام سيكون جيراننا أعداءنا".
وقال فايز قرقع (48 عاما) إنه ساعد في تشكيل مليشيا آشورية في شمال شرق سوريا، بعد أن أيقن سكان القرى أن الحماية التي وعدت بها الحكومة هي مجرد "كلام فارغ". ووصف الحكومة بأنها "أفضل الخيارات السيئة، فهي أفضل من المتطرفين الإسلاميين"، وأضاف أن الآشوريين يفضلون الموت وهم يدافعون عن قراهم، بدلا من القتال على جبهات بعيدة، بحسب الصحيفة.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول السوري المطلع أمنيا، وهو علوي، إن سقوط إدلب أحبط حتى دوائر الحكومة الضيقة المؤلفة من الأقلية العلوية، الذين يخدمون بشكل كبير في الجيش. وقد بدأوا بالشك من أن رئيس النظام السوري قادر على حمايتهم، وقد قامروا بالوقوف معه في حرب وجود. وقال مخاطبا الأسد: "سوريا ليست أنت، وأنت لست سوريا".