سياسة عربية

حملة القصف الأخيرة على حلب تجدد موجة النزوح

قصف النظام السوري سوقا شعبية بحي المعادي في حلب يوم السبت الماضي
حاول الكثير من السوريين التمسك بالبقاء داخل وطنهم، رغم القصف والصعوبة البالغة لتوفير أبسط متطلبات الحياة، لكن الأوضاع التي تزداد صعوبة يوما بعد يوم، أجبرتهم على الرحيل، ومن لم يلجأ إلى خارج سوريا نزح إلى مناطق أخرى داخلها وغيّر مكان إقامته مرات عديدة، خصوصا في مدينة حلب، لاسيما بعد حملة البراميل المتفجرة الأخيرة التي بدأت قبل عدة أيام.

وقد أطلق ناشطون اسم حملة #حلب-تباد-بفتوى-حسون؛ على إثر دعوة مفتي النظام السوري أحمد حسون إلى "إبادة" المناطق الخارجة عن سيطرة النظام  "بأكملها"، وهذا ما يقوم به النظام الآن في مدينة حلب، إحدى أقدم المدن المأهولة في العالم.

كما يشتد القصف أيضا في مناطق سيطرة النظام، حيث يحاول الثوار التقدم للسيطرة على محيط المخابرات الجوية ومنطقة الزهراء، ليعيش سكان حلب بشقيها المحرر والخاضع لسيطرة النظام مأساة الحرب المروعة يوما بعد يوم، ويضطر الكثيرون منهم للبقاء تحت رحمة الموت اليومي، حتى تصيب القذائف مسكنهم مباشرة فيجبرون على الرحيل القسري، هذا إن لم يخسروا أحد أفراد عائلتهم في القصف، لتبدأ رحلة معاناة جديدة مريرة للبحث عن حياة كريمة خارج البيت والوطن.
 
بدأ أبو أنس رحلته المريرة بعد تعرض منزله في حي المعادي في حلب للقصف بالبراميل المتفجرة من النظام السوري، حيث لم يعد منزله صالحا للسكن.

كان الرجل قد تلقى دعوات على استحياء من بعض أقاربه في تركيا، خلال حملة البراميل المتفجرة التي ضربت مناطق حلب المحررة في العام الماضي، لكنه فضل عدم مغادرة بيته وقتها، لأنه لا يملك مالا للإقامة في تركيا، وكرامته لا تسمح له بالاعتماد على أحد، خصوصا إن كان من طرف أهل زوجته. ولكن بعد استحالة الحياة في منزله، وتحت ضغط إصرار زوجته على الخروج من حلب للسكن عند أهلها، بدلا من الموت الذي اقترب كثيرا، فقد نجا بأعجوبة منذ فترة وجيزة هو وزوجته من مجزرة حي المعادي. 

وصل أبو أنس وزوجته إلى مدينة غازي عنتاب التركية التي سمعوا عنها الكثير، لكنهم لم يروا منها سوى الكراجات (محطات انطلاق الباصات). وفي الكراج الكبير جلس أبو أنس مع زوجته ينتظران موعد الرحلة إلى مدينة مرعش، وهناك يختلف الرجل مع زوجته، فهو لا يزال مترددا في مسألة الذهاب إلى مرعش للسكن في منزل شقيق الزوجة. بقي أقل من نصف ساعة على موعد انطلاق الرحلة، والرجل لايزال حائرا في أمره، هل يذهب للسكن في بيت أخيها، أم يعود إلى حلب؟

 يدور صراع عنيف في صدر أبي أنس، فهو لا يرغب في السكن عند أهل زوجته؛ لأنه يجد في ذلك انتقاصا من رجولته وهدرا لكرامته، وفي الوقت ذاته يعرف أن الحياة في حيه ومدينته حلب أصبحت مستحيلة، فيحاول البحث عن خيط رفيع للأمل. يقرر في نهاية المطاف أن يتصل بأحد أقربائه في حلب، ليطمئن على الأوضاع، لعله يجد أن بشار الأسد قد سقط، أو لعله يجد أن الحرب والقصف قد توقفا، ليتمكن كما تمنى من أن يعيش في مدينته.
 
يبحث أبو أنس عمن يعيره هاتفا في الكراج، فهو لايملك خطا تركيا بعد، وليس بمقدوره شراء أي شيء الآن، بما في ذلك رغيف الخبز الذي اعتاد تناوله قبل الدواء. يتعثر أبو أنس برجل سوري آخر في العقد السادس من العمر داخل الكراج، ويشرح له قصته وكيف أنه بحاجة للاتصال بأحد أقاربه في حلب لسؤاله عن الوضع هناك، قبل أن يتورط بالذهاب إلى مرعش التي لا يعرفها. يلبيه الرجل ويعطيه هاتفه للمكالمة، يبتعد أبو أنس ليتحدث بالهاتف، وتستغل زوجته فرصة ابتعاده لتقترب من الرجل صاحب الهاتف، وتتوسل إليه أن يقنع زوجها بالذهاب معها إلى بيت أخيها في مرعش، فلم يتبق إلا دقائق على موعد الرحلة، وأخوها ينتظرهم في الكراج بمدينة مرعش.
 
يعود أبو أنس أخيرا من مكالمته صامتا تماما، وعلى محياه صفرة الأموات، يعيد الهاتف إلى صاحبه ويطلب من زوجته أن تصعد للباص، وقبل أن يذهب، يخبر الرجل الذي أعاره الهاتف أن قريبه الذي حاول الاتصال به، استشهد في قصف متجدد صباح اليوم على أحد أحياء حلب.

يصعد أبو أنس مع زوجته إلى الباص المتجه إلى مرعش. تشعر زوجته بشيء من الارتياح، حيث ستتخلص من القصف وتشعر بشيء من الأمان، الذي لم تذق له طعما منذ سنوات. أما أبو أنس فقد احتارت زوجته في تفسير ذلك التعبير الغريب على وجهه.