كتب فيليب بارهام: تضع المملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة نجاح مصر على رأس أهدافها المنشودة لهذه المنطقة، بيد أن ذلك لا يتعلق فقط بالحكومات. إن عمل الشركات البريطانية والشركات
الإماراتية معاً ينطوي على إمكانيات فريدة من نوعها، والتي من شأنها أن تدفع بمصر للتعافي، حيث إنها تنتقل حالياً من مرحلة تلقي المساعدات إلى الاستثمار والنمو. وتؤمن كل من المملكة المتحدة والإمارات بأن
الاقتصاد المصري القوي والمنتعش يعد حجر الأساس في تحقيق جميع ما نطمح إليه نحن والمصريون أيضاً: الاستقرار وفرص العمل المتوفرة للجميع ومجتمع حديث منفتح ومواطنون يتمتعون بصلاحيات ومؤسسات خاضعة للمسؤولية. وكما جاء على لسان سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم - نائب رئيس دولة الإمارات ورئيس مجلس الوزراء حاكم دبي - عن دعمنا لمصر إنه «ليس منة على أحد، بل واجب في حقها».
طالما كانت دولة الإمارات من الداعمين الثابتين لمصر خلال الأوقات العصيبة وليس منذ 2013 فقط، كما لعبت
بريطانيا أيضاً دوراً مركزياً وقوياً في صميم الاقتصاد المصري، ذلك الدور الذي تتعمق جذوره بمرور الوقت، حيث تعد بريطانيا المستثمر الأجنبي الأكبر في مصر بما يناهز 50% من الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر العام الماضي، و24 مليار دولار في الأعوام الخمسة المنصرمة. علاوة على ذلك، تساعد الشركات البريطانية في دفع عجلة التنمية في مصر عن طريق خلق فرص عمل وإدرار الأموال فضلاً عن نقل المهارات والمعرفة - ومن بينها «بريتيش بتروليوم» و«بي جي» و«يونيليفر» و«أتش أس بي سي» و«فودافون»، إذ تعتبر هذه الشركات من أكبر دافعي الضرائب في مصر.
لذا، من الطبيعي أن نجد المساهمات البريطانية والإماراتية ظاهرة على نحو بارز عندما توافد الآلاف إلى شرم الشيخ في وقت سابق من هذا الشهر من أجل حضور مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري، حيث وقعت شركة «بريتيش بتروليوم» البريطانية اتفاقاً لاستثمار 12 مليار دولار على مدار السنوات الخمس القادمة والتي ستوفر 25% من احتياجات مصر من الغاز في الوقت الحالي - وهو المشروع الذي يعد الاستثمار الأجنبي الأضخم من نوعه في تاريخ مصر. وأعلنت شركات أخرى مثل «بي جي» استثمار مليارات أكثر في الوقت الذي أعلنت فيه الإمارات العربية المتحدة مجموعة من الدعم بقيمة مليارات الدولارات، بما في ذلك وديعة في البنك المركزي بقيمة 2 مليار دولار واستثمارات مخطط لها من «دانا غاز» و«ماجد الفطيم» و«كيه بي بي أوه» و«العبار» و«كابيتال سيتي بارتنرز» و«شركة سويدان التجارية ذ.م.م».
وعقب مؤتمر شرم الشيخ، تشرع الحكومة المصرية في تحدي تنفيذ رؤيتها الإصلاحية وتسليم المشاريع الكبرى التي تم الإعلان عنها. وتستطيع هذه الشركات البريطانية والإماراتية العالمية أن تبين إمكانية تنفيذ الأعمال الدولية لدعم الاقتصاد المصري خلال الانتقال من مرحلة تلقي المساعدات إلى الاستثمار، وذلك من شأنه أن يدعم التفوق المصري وخلق فرص عمل وبناء المهارات المصرية والإمداد بالطاقة والبنية التحتية التي تحتاجها مصر بشكل عاجل.
وخلال المؤتمر أماطت الحكومة المصرية اللثام عن عدد من المشاريع العملاقة مثل مشروع تطوير محور قناة السويس والعاصمة الجديدة، بالإضافة إلى فرص الاستثمار في العديد من القطاعات بما في ذلك السكك الحديدية والموانئ وتجارة التجزئة وتوليد الطاقة. وفور ظهور التفاصيل الخاصة بهذه المشاريع اتضح أنه على مدار الخمس إلى عشر سنوات القادمة ستكون هناك فرص هائلة في مصر للشركات البريطانية والإماراتية، حيث صرحت الحكومة المصرية أن المجال مفتوح للشركات. وبفضل موقع مصر الجغرافي الاستراتيجي والكثافة السكانية الشابة والمتزايدة التي تناهز 90 مليون نسمة، يعد السوق المصري عامل جذب للشركات الرائدة على مستوى العالم المستعدة لاتخاذ قرارات جريئة.
لكن، حان الآن وقت البناء فقد لفتت مصر انتباه العالم. وعلى مدار الأسابيع القليلة القادمة ستقوم الفرق الدبلوماسية والتجارية البريطانية في القاهرة والإسكندرية وأبوظبي ودبي بتحديد فرص الشركات البريطانية والمصرية والإماراتية في العمل معاً لإنجاز الاستثمار الجديد، ونحن على اقتناع بأن أواصر الشراكات القوية بين شركات المملكة المتحدة والإمارات من الصعب هزيمتها. إننا معاً نعد شركاء الاستثمار المميزين في مصر، ونستطيع معاً أن نزيد من إمكانيات فرص الاستثمار في مصر.
وتوجد بالفعل أمثلة عظيمة مثل مجمع كايرو فستيفال سيتي التجاري الذي شيدته الفطيم كاريليون، والذي دعمته الحكومة البريطانية من خلال مؤسسة تمويل صادرات المملكة المتحدة، حيث يحفل تاريخ هذه المؤسسة بالعمل مع شركات بريطانية وإماراتية. وسيزور فريق هذه المؤسسة مصر خلال هذا الأسبوع لبحث كيفية تقديم المزيد من الدعم. وبعض الشركات البريطانية مثل «بريتيش بتروليوم» و«شيل» لديها بالفعل شراكات طويلة الأمد مع «أدنوك» (شركة بترول أبوظبي الوطنية) و«أدكو» (شركة أبوظبي للعمليات البترولية البرية المحدودة) و«دانا غاز». وتملك الشركات البريطانية والإماراتية الرائدة قوات مشتركة في مشروعات ناجحة في قطاعات الطاقة المتجددة والنقل والبنية التحتية، وهي في وضع جيد لتشييد مشاريع كبيرة في مصر. وبالطبع فإن الأمر لا يتعلق بالأموال والاستثمار فحسب، فمن أجل تحقيق نمو اقتصادي مستدام وشامل تحتاج مصر إلى تنفيذ إصلاحات اقتصادية كبرى واتخاذ خطوات ملموسة لتحسين بيئة العمل. وتتمتع المملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة بوفرة من التجارب والخبرات التي يمكن أن تقدمها، وبالفعل فإنهما تعملان معاً بشكل وثيق لدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر. وانطلاقاً من كونهما أصدقاء وشركاء لمصر، فإن المملكة المتحدة والإمارات ملزمتان بمساعدة مصر على قدر استطاعتهما. ولم تكن هناك فرصة أفضل من ذلك لأعمال المملكة المتحدة والإمارات للشراكة والاستثمار والازدهار، حيث إن هذا الوضع ليس مفيداً للطرفين فقط، بل إنه يفيد الأطراف الثلاثة، المملكة المتحدة والإمارات ومصر.
*
فيليب بارهام: سفير بريطانيا في الإمارات
(عن الاتحاد الإماراتية)