قضايا وآراء

الإعلامي

1300x600
في مجال الإعلام، توجد العديد من المهن والوظائف، فهناك: الصحفي- المراسل- المحرر- المذيع- المصور.. إلخ. لكن البعض خرج علينا بمهنة جديدة يعرف بها نفسه، وهي "الإعلامي". لم يبدأ هذا الاسم في الانتشار إلا بعد دخول أمثال المحامي خالد أبو بكر إلي المجال.

كانت بداية معرفتي بأبي بكر للمرة الأولى خلال أول جلسة لمحاكمة مبارك الهزلية عام 2011، حينها كان يحاول بشتى الطرق الحصول على الميكروفون للحديث أمام الكاميرات، باعتباره أحد المدعين بالحق المدني في القضية، وعندما حصل أخيرا على فرصة للحديث، أخذ يصول ويجول، مطالبا بمسح ضوئي على أسطوانة مدمجة لوقائع القضية، مطالبا بتحمل المدعين التكلفة، وهي جنيه واحد لكل منهم! كلام مهم فعلا.

أتبع أبو بكر هذا الظهور بحلقات كثيرة يشرح فيها وقائع محاكمة مبارك، ويقدم نفسه باعتباره نصيرا للشهداء وأهاليهم، لكنه بعد ذلك ربما مل من ظهوره كضيف، ووجد أن العمل كمذيع أفضل كثيرا، خاصة بعدما رأى مجموعة من الأشخاص منعدمي الكفاءة والثقافة، ومع ذلك فهم يقدمون برامج تلفزيونية.

موقف آخر "لمع" فيه أبو بكر، مقدما نفسه مخبرا من الطراز الفريد، ومعيدا أمجاد الستينيات البوليسية، بعد المشادة التي حدثت بينه وبين باسم يوسف، بسبب انتقاد الأخير للعاملين في الإعلام، ونفاقهم للسيسي أثناء حديث خاص دار بينهما مع رئيس تحرير جريدة "الشروق" في مطار نيويورك، ليكتب أبو بكر على صفحته الشخصية على موقع "تويتر" تفاصيل الحديث "الخاص" الذي دار، محرضا على باسم، مؤكدا أنه سب السيسي. وهو سلوك مخبر متمرس. 

يعمل أبوبكر محاميا صباحا، و"إعلاميا" بعد الظهر. يترافع عن "محمد فهمي" الصحفي بقناة الجزيرة في قاعات المحاكم صباحا، ويسب الجزيرة ويهاجمها في الاستوديو ليلا. 

يبدو عمل أبوبكر متناغما تماما مع قدراته، فقد حجز لنفسه مكانا يعرف بأنه مخصص لذوي القدرات المنعدمة، فهو "الرجل الذي يجلس بجوار عمرو أديب" وهو شخص يتلخص عمله في الجلوس صامتا معظم الوقت تاركا أديب يصول ويجول ويقدم فقرته اليومية في الردح والهجوم علي من يشاء، وقد يتدخل لإضافة كلمة أو كلمتين، بعد استئذان أديب طبعا، لكن الأخير قد لا يسمح له بذلك من الأصل، وقد يوبخه على تدخله ومحاولته إضافة لمسته الخاصة، مثلما حدث في حلقة ذبح المصريين في ليبيا.

عرض أديب فيديو الذبح منطلقا في وصلة السباب والشتائم المعتادة، وفي هذه الأثناء جاءت الصورة على أحد الضحايا وهو يتمتم ببعض الكلمات، ليفاجئه أبو بكر ويفاجئ المشاهدين قائلا بتأثر إن الضحايا كانوا يتلون شهادة "أن لا إله إله إلا الله وأن محمدا رسول الله" قبل ذبحهم، ليسارع أديب بتصحيح كلامه الفضيحة وملاحظته الجبارة موضحا أنهم ببساطة أقباط، والكل يعلم ذلك. بل إنهم ذبحوا من الأصل لكونهم مسيحيين.

تاريخيا عرف المكان الذي بجوار عمرو أديب بتخريج العديد من "الإعلاميين"، أبرزهم بالطبع أحمد موسى، أهم صحفي أمني في مصر منذ عهد مبارك، ومندوب وزارة الداخلية في جريدة الأهرام لمدة جاوزت العشرين عاما، وكذلك محمد مصطفى شردي، المفترض أنه ينتمي إلى حزب الوفد، لكنك لن تجد أي فارق بينه وبين موسى في الشكل أو المضمون. 

من "الإعلاميين" أيضا الذين انحصر عملهم في الجلوس بجانب عمرو أديب، رانيا بدوي، المطرودة من قناة "التحرير" بعد شجارها مع السفير الإثيوبي وإغلاقها الهاتف في وجهه، وهو الأمر الذي كاد أن يتسبب في أزمة دبلوماسية بين مصر وإثيوبيا في مرحلة من أدق مراحل العلاقات بين البلدين.

الجلوس بجوار عمرو أديب وممارسة رياضة التأمل حتى ينتهي الأخير من عمله أثار سخرية الجمهور والمتابعين، لدرجة أنهم أنشأوا صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان "الراجل اللي جنب عمرو أديب" على وزن "الراجل اللي ورا عمر سليمان" التي انتشرت عقب ثورة يناير.

ومع الضربة الجوية المصرية ضد ليبيا، انطلق خالد أبو بكر في وصلات من التهديد والوعيد لدول المنطقة، ومنها قطر بالطبع، قائلا إن ما يمنع قصف قطر فقط هو أن شعبها مسلم، رغم أن الجيش المصري قصف مدينة "درنة" الليبية نظرا لعدم قدرة سلاح الجو على الوصول إلى مدينة "سرت" التي جرت فيها عملية الاختطاف.

 أبو بكر لم يستثن حتى المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت ودول الخليج بالكامل من الهجوم، بعد انتقاد مجلس التعاون الخليجي لاتهامات مصر ضد قطر بدعم الإرهاب، مؤكدا أن مصر تستطيع العيش وحدها، داعيا من ينتقد مصر إلا أن "يولع".

لم أندهش من مستوى الحديث وصفاقته وابتذاله، فهذا هو المعتاد من إعلام السيسي، لكن الدهشة جاءت بسبب أننا أخيرا سمعنا صوتا لخالد أبو بكر وشاهدناه وهو يتحدث والكاميرا مسلطة عليه، ويبدو أنه في هذه الحلقة ظهر وحده لظروف ما منعت عمرو أديب من تقديم الحلقة، ليجد أبو بكر نفسه لحسن حظه منفردا بالاستوديو، فلم يشأ تفويت الفرصة دون إثبات مواهبه، والتأكيد على أنها لا تقل عن غيره من "الإعلاميين".