مع دخول النزاع عامه الخامس، يطغى الرعب على المشهد في
سوريا حيث تخطف ممارسات
تنظيم الدولة الوحشية الأنظار، في وقت مارس فيه نظام بشار الأسد جرائم أشد بشاعة عبر استخدام أسلحة كيميائية وبراميل متفجرة ضد المدنيين العزل، وظل متشبثا بالسلطة من دون أن يغيّر حرفا من خطابه السياسي منذ بداية الأزمة.
وتكاد أخبار التنظيم الجهادي المتطرف تختصر وحدها الحدث السوري في الإعلام الذي ركز على جرائم تنظيم الدولة وتجاهل جرائم النظام السوري بحق شعبه، بينما يستمر النزف في البلاد المقسمة إلى مناطق نفوذ متعددة. وقد انهار اقتصادها ودمرت بناها التحتية ويدق الجوع أبواب شريحة واسعة من سكانها.
ويصف مقال للباحثين بيتر هارلينغ وسارة بيرك من "مجموعة الأزمات الدولية" التنظيم الذي يطلق على نفسه اسم الدولة "بأنه ليس مجرد شر، إنه شيطاني، مثل إبليس المذكور في الكتاب" المقدس.
ويضيف المقال الصادر في مطلع هذا الشهر: "لعل هذا يفسر لجوء (التنظيم) إلى جرائم ليست مرعبة فحسب، بل منفذة بإخراج مذهل".
من قطع الرؤوس إلى صلب "الكفار" و"العملاء" إلى إحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة داخل قفص والتجول بسجناء آخرين داخل أقفاص للتهديد بالمصير نفسه، وصولا إلى الرجم والإلقاء بالناس من أعلى الأبنية وسبي النساء والاعتداء على الأقليات.. لا تنضب فنون تنظيم الدولة في أساليب القتل والتنكيل التي تكاد تكون أقرب إلى الأفلام السينمائية الهوليوودية منها إلى الواقع.
وبرز التنظيم في سوريا خلال العام 2013، كمجموعة مرتبطة بتنظيم القاعدة، قبل أن يستقل عنه. وبعد أن تجنب طويلا الاصطدام بالنظام على الأرض، دخل منذ صيف 2014 في صراع مفتوح مع قوات الرئيس بشار الأسد.
وجاءت هذه المواجهات بعدما استولى على مناطق واسعة في العراق، ثم انتزع من فصائل المعارضة السورية المسلحة ومن جبهة النصرة، مساحات كبيرة في شمال سوريا وشرقها، وأعلن في حزيران/يونيو إقامة "دولة الخلافة".
ويجمع المحللون على أن بروز الجهاديين كان العامل الأبرز في تعويم الأسد الذي كانت المطالبة بتنحيته المطلب الأساسي للانتفاضة السلمية التي انطلقت ضده في منتصف آذار/ مارس 2011، قبل أن تتحول إلى نزاع مسلح دام.
ويرى الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (إيريس) في باريس كريم بيطار، أن "التنظيم ذهب بعيدا في الترويع، إلى درجة بات معها الغرب اليوم مقتنعا بأن داعش يمثل العدو المطلق وأن كل ما تبقى شر أدنى منه".
ويضيف: "عدنا إلى الذهنية التي ترى كل شيء من منظار الحرب على الإرهاب وإلى الفكرة التي كانت سائدة قبل الثورات العربية، وهي أن الاستبداد أقل خطورة ولا بد من تقارب مع الأنظمة المستبدة".
وفيما يترنح حلم الديموقراطية و"ربيع سوريا"، يثبت النظام على موقفه.
في مقابلة الأسبوع الماضي مع التلفزيون البرتغالي، كرر الأسد واثقا: "كيف يمكن لثورة أن تنهار أو تفشل إذا كانت تحظى بدعم الغرب وبدعم دول إقليمية في موازاة هذه الأموال والسلاح، فيما هناك ديكتاتور يقتل شعبه كما يقال، شعبه ضده والدول الإقليمية ضده والغرب ضده، وقد نجح".
وراهن النظام المدعوم من روسيا وايران على عدم تدخل الغرب عسكريا في سوريا، وفاز بالرهان. ولعل المنعطف الحقيقي بالنسبة إليه بدأ يوم نجح في تجنب ضربة عسكرية أمريكية ضده بإعلان استعداده لتسليم أسلحته الكيميائية، بعد أن اتهمه الغرب بالوقوف وراء هجوم كيميائي على ريف دمشق في آب/ أغسطس 2013 حصد مئات
القتلى.
بالنسبة إلى الغرب، لم يعد رحيل الأسد اليوم أولوية. وقد اعتبر الموفد الدولي إلى سوريا ستافان دي ميستورا أخيرا أن الأسد "جزء من الحل".
ويستبعد الباحث إميل حكيم من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن "حلا سياسيا على المديين القريب والمتوسط". ويقول: "قد يتراجع مستوى العنف لأن العديد من الأشخاص قتلوا، وقد يحصل نوع من نقل للسكان، لكن من الصعب رؤية سوريا تتعافى قريبا".
ويقول بيطار من جهته: "خلال السنوات الأولى من الثورة السورية، كان هناك فريقان محددان. اليوم أصبحت حرب الجميع ضد الجميع".
وكرس العام المنصرم تراجع قوة وحجم ما عرف بالجيش الحر الذي لم يبق منه إلا مجموعات صغيرة محدودة التجهيز والفاعلية. في المقابل، برز الأكراد كقوة عسكرية وقفت في وجه تنظيم الدولة في معركة عين العرب (كوباني)، التي استنفرت لأشهر طويلة الإعلام العالمي.
في موازاة "الدولة" المعلنة من تنظيم الدولة، تسعى جبهة النصرة، ذراع تنظيم القاعدة في سوريا، إلى التفرد بـ"إمارة" في شمال غرب البلاد، بينما يعمل الأكراد على الحفاظ على "الإدارة الذاتية" لمناطقهم في أجزاء من ريف حلب والرقة والحسكة.
أما الكتائب المتعددة الولاءات والقيادات، وغالبيتها إسلامية، فهي لا تزال تقاتل في الجنوب (درعا والقنيطرة) وريف دمشق وحلب حيث تسيطر على الأحياء الشرقية للمدينة وأجزاء من المحافظة، وريفي حماة واللاذقية، تارة ضد النظام وطورا ضد الجهاديين.
وكلما ازداد النزاع الذي حصد حتى الآن أكثر من 210 آلاف قتيل تعقيدا، كلما ازداد الوضع الإنساني سوءا. وقد تسببت الحرب السورية بـ"أسوأ موجة نزوح عرفها العالم في السنوات العشر الماضية" (أكثر من 11 مليونا داخل سوريا وخارجها)، بحسب الأمم المتحدة، في حين أن أكثر من 12 مليونا يحتاجون إلى مساعدات ملحة.
ويقول الناشط الإعلامي يزن الذي عاش على مدى سنتين حصارا فرضته قوات النظام على مدينة حمص: "في بداية الثورة، ظننا أن الغرب سيهرع إلى نجدتنا.. أين الثورة اليوم؟ أنا واثق من انعدام الضمير لدى المجتمع الدولي".