بعدما اجتاح الإعصار هدهد ميناء فيزاخاباتنام بجنوب
الهند في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وحطم الجسور وأغرق الأراضي الزراعية ودمر قوارب الصيد، تنفس الكثيرون الصعداء.
لقد أنقذت أرواح عشرات الآلاف من السكان نتيجة نجاح تجارب سابقة للإجلاء الجماعي إلى الملاجئ، وهو درس تعلمته السلطات من تجارب طويلة مع الفيضانات وارتفاع منسوب مياه البحار والرياح العاتية والعواصف التي اجتاحت خليج البنغال.
لكن فيما كانت المدينة التي يقطنها مليونا نسمة والتي يشيع استخدام اسمها الدارج "فيزاج" تتأهب لكي تكون إحدى أول "
المدن الذكية"، يعترف المسؤولون بضرورة بذل المزيد من الجهود لمساعدتها في التكيف مع أنماط المناخ الأكثر تطرفا، وهو تحد يقره كثيرون في المدن العالمية الكبرى السريعة النمو.
وقال "إن. يوفاراج" كبير المسؤولين الإداريين بالمنطقة: "من الأهمية بمكان بالنسبة إلى مدينة مثل فيزاخاباتنام أن تكون متجاوبة مع المناخ"، مضيفا أن جهود السلطات المحلية وحكومة ولاية أندرا براديش تتضافر مع مجموعة من الوكالات لتحقيق ذلك.
وخلال الأشهر القادمة تتنافس مدن أخرى في أرجاء الهند للانضمام إلى خطة حجمها 1.2 مليار دولار أطلقها رئيس الوزراء ناريندا مودي، لتحسين جودة الحياة في المناطق الحضرية السريعة النمو بالبلاد.
ومشروع "المدن الذكية" في 100 مدينة بشتى أرجاء الهند يهدف إلى خلق أحوزة عمرانية تستخدم فيها مبادرات صديقة للبيئة عالية المستوى التكنولوجي، ما يحقق الإدارة المثلى للموارد بما في ذلك المياه والطاقة وتحسين الخدمات للمواطنين.
يقول المسؤولون الحكوميون إن هذه المدن تحتاج إلى تسيير وسائل النقل العام بها من خلال الطاقة النظيفة ومصابيح الشوارع التي تعمل بالطاقة الشمسية والمباني الخضراء، مع تبني مفهوم خفض الكربون. لكن كي تكون هذه المدن ذكية حقا فعليها أن تفكر في آثار التغير المناخي.
وتتوقع لجنة الأمم المتحدة الحكومية الدولية بشأن تغير المناخ أن يتسبب ارتفاع درجة الحرارة في العالم، في زيادة قدرها 82 سنتيمترا في منسوب مياه البحار في أواخر القرن الحالي بسبب ذوبان الجليد واتساع رقعة المياه مع زيادة حرارة المناخ الأمر الذي يهدد المدن الساحلية من شنغهاي وحتى سان فرانسيسكو.
ومن المتوقع أيضا وقوع المزيد من حوادث الطقس المتطرفة والشديدة، ما يزيد المخاطر التي تواجهها مدن في دول عرضة للكوارث مثل الهند، إذ يعيش قسم كبير من عدد سكانها البالغ 1.2 مليار نسمة في مناطق معرضة للفيضانات والعواصف والجفاف.
وفيما تتوقع الأمم المتحدة تضاعف عدد البشر في مدن الهند وبلداتها إلى 814 مليونا تقريبا بحلول عام 2050، فإنه يجب على المحليات أن تعمل الآن على الحد من الوفيات والدمار الناجم عن
الكوارث.
وقال بيندو لوهاني نائب رئيس قسم التنمية المستدامة ببنك التنمية الآسيوي، إن الفيضانات التي اجتاحت العاصمة الفلبينية مانيلا عام 2013 التهمت 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، في حين أدت الفيضانات عام 2011 في بانكوك إلى تقليص الناتج المحلي الإجمالي للربع الأخير من ذلك العام بنسبة 9%.
يقول خبراء إن هناك الكثير من الأمثلة في شتى أرجاء العالم كي تستوحي منها الهند الخطوط العامة المتعلقة بتخطيط المدن.
على سبيل المثال؛ وضعت السلطات البلدية في هانوي برنامجا لمواجهة ارتفاع منسوب مياه البحار الأمر الذي يضيف مزيدا من الضغوط على السدود المقامة على النهر الأحمر.
وفي بانكوك ساعدت بوابات الفيضانات وإنشاء السواتر حول المدينة وشبكة الصرف التي تعمل بالمضخات في التقليل من مخاطر الفيضانات في أعوام 2006 و2010 و2011.
وفي بنغلادش أسهم مشروع تأميني مرتبط بالمناخ تديره جمعية بروشيكا الخيرية في تعويض السكان الذين يعيشون في ألفين من المساكن العشوائية عن مخاطر الكوارث في مدن مثل داكا.
وتقول صحيفة تصدرها وزارة التنمية العمرانية بالهند إن أي "مدينة ذكية" بحاجة لمعالجة نقص حاد في أنظمة الصرف وهو ما ينجم عنه كثرة المياه الجوفية (التغدق) أثناء الأمطار الموسمية، الأمر الذي يؤدي إلى تفشي الأمراض مثل الملاريا وحمى الدنغ.
وقالت الصحيفة: "يتعين على المدن أن تنتهج أسلوبا رصينا لإدارة المياه"، مثل تحويل المياه الزائدة إلى البحيرات والمسطحات المائية الأخرى.
و"فيزاج" مجرد واحد من ثلاثة أماكن اختارتها الحكومة حتى الآن كي تصبح "مدنا ذكية"، والمدينتان الاخريان هما راجاسثان والله أباد في ولاية أوتار براديش.
وستتلقى هذه المدن قدرا من التمويل من الحكومة المركزية، لكن يتعين عليها تدبير القدر الأكبر من رأس المال الخاص بها، من خلال إقامة شراكة مع شركات محلية وأجنبية لتشجيع الاستثمار والمساعدة الفنية.