كتاب عربي 21

الخصومة مع القضية الفلسطينية

1300x600
حركة المقاومة الإسلامية "حماس" تجمع بشري له ما له وعليه ما عليه، تجمع يصيب ويخطئ وربما كانت له أخطاء فادحة في الحكم أو الإدارة عموما، إلا أنها حركة مقاومة أرغمت أنف العدو الغاصب، وصارت شرفا لهذه الأمة بما قدمته من تضحيات لأجل قضية الأمة كلها، وما صنعته في العدوان الأخير من نقلة نوعية في إدارة المعارك "عسكريا" وكذلك التصنيع الحربي رغم التضييق والحصار، يجعلان كل معتز بقضيتنا الأساسية يفخر بما حققته من تقدم في عدة نواح، الأمر الذي لم يستدعِ تكريمها -في نظر حكام البلاد- بل استدعى صدور حكم جديد من القضاء المصري بتصنيفها كحركة إرهابية، والحكم له دلالات أوسع بكثير من كونه خصومة مع حركة حماس التي تمثل امتدادا لجماعة الإخوان، بل يبين استمرارية النظام المصري في الخصومة مع حركات المقاومة كلها سواء في لبنان أو فلسطين، مع فارق كبير في حجم التواطؤ والخسة.

أثناء حكم الرئيس المخلوع، كانت المعتقلات المصرية تعج بالمعارضين لكنها لم تخلُ من تواجد لأفراد من حزب الله وحركة حماس، وأشار المعتقلون من حركة حماس إلى أن التعذيب كان لانتزاع معلومات عن أماكن اختباء قادة المقاومة أثناء أي عدوان، وتهريب السلاح، ومكان الجندي -المأسور حينها- جلعاد شاليط، وبلغ التعذيب حد قتل شقيق الناطق باسم حماس في أحد السجون المصرية، ورغم كل ذلك التواطؤ إلا أن القضية الفلسطينية "بحركات المقاومة" كانت تحظى باحتفاء شعبي لم يقدر النظام على الوقوف ضده، وكذلك لم يتم البدء في شيطنة تلك الحركات إلا في آخر عمر ذلك النظام، ولم يجرؤ في أي وقت على التفوه بحق الكيان في الدفاع عن نفسه من الصواريخ المقاومة، فأبقى مساحة للتفاعل مع القضية، وحافظ على كونه وسيطا في أي نزاع سواء كان داخليا أم مع المحتل، وإن كانت وساطته مائلة الكفّة، مما يدفع التساؤل عما حدث للقضية؟

عندما ذهبت مصر للمعاهدة في نهاية السبعينيات، قامت الدول العربية بمقاطعتها ونبذها، ولكن قبيل مطلع التسعينيات بدأ إعادة ترتيب المشهد، لتصير الألفة بين الجميع لا مصر فحسب، وبدلا من تصلب الموقف العربي "ضد " الكيان، تصلّبَ "معه" بداية ثم تحالفوا الآن ضد المقاومة.

بداية التفكيك كان بحصر تمثيل القضية بعرفات، باعتباره الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، فتمت تنحية كل الحركات الأخرى، والاكتفاء بتلك التي تم تدجينها، ومع أوسلو 93 تخفف الحكام العرب من حمل القضية، لتنحصر في دول الجوار والجزيرة العربية باعتبار الرمزية الدينية، لكن ذلك لم يستمر طويلا، فتخفف حكام الجزيرة أيضا من أعبائها، بدءا من رفع الشركات التي تتعامل مع الكيان من القوائم السوداء، الأمر الذي كان يتسبب في خسارة سنوية تبلغ 10% للكيان المحتل، حتى صاروا يقيمون ندوات سرية يحضرها زعماء دولة الكيان كما بالتسريب الأخير لمكتب وزير دفاع "الجيش الوحيد بالمنطقة"، ليصير همّ القضية "فعليا" بين أهل النكبة "ودولة الجوار" مصر، ورغم كل ما قام به مبارك إلا إنه لم يقدر على التنصل بشكل كامل من ذلك الارتباط.

السيسي -كعادته- يقوم بكل الأمور على عجل، فقام بالتخلي عن أي رابط مع القضية، ثم شيطنة أكبر حركات المقاومة والدخول في عداء معها، ليتم استبعاد مصر كليا من المشهد الفلسطيني، كل ذلك في أقل من عامين.

الانهيار الحاصل في الموقف المصري من القضية، يعني عدم إمكان القبول به كوسيط مستقبلي في أي صراع بين المقاومة وبين أي جهة داخلية كالصراع بين فتح وحماس، أو جهة خارجية كما تم في قضية شاليط أو في أي عدوان قد يحصل، وكذلك يعني التنصل والرفض النهائي لخيار استرداد الأرض، والتحرر الوطني.

رغم فداحة الدور الذي يقوم به النظام الحالي، لكن تصوره ممكن؛ فالذي ينبطح أمام القوى الأكبر وخان وباع، يرجو أن يرى غيره مثله ولا يريد وجود من يكشف سوءته وانبطاحه وخيانته، والذي يرفض التحرر ببلده يرفضه خارج أرضه، ومشاهد الدم التي غطت جنبات الوطن لأجل السلطة والاستئثار بها تشير إلى ذلك بجلاء، وما يتم تقديمه من تنازلات وانتهاكات لأجل الحفاظ على أمن العدو التاريخي للدولة المصرية الحديثة، أوضح أن الخصومة بالأساس ليست مع حركة مقاومة، بل مع ما تمثله قيمة المقاومة.

لفترة قريبة كان يتم تصنيف الوطنية بمدى الانحياز للقضية الفلسطينية والخصومة مع الكيان المحتل، والآن يتم تشويش الرؤية بتشويه الحركات المقاومة، وعدم الاعتداد بالاعتداء على الأراضي هناك، بل حتى باختفاء ذكرها من الأعمال الفنية واللجان النقابية والمساجد، وحتى الكنيسة المصرية التي منعت الحج لكنيسة المهد، سمحت به في ظل زعامة تواضروس وحكم السيسي، كل ذلك ليتم تهميش القضية المركزية لوَحدة هذه الأمة، وهو أمر يبدو حاصلا في الأفق القريب، ومحسوما لخيار المقاومة والحرية فيما بعد.