تعلمنا في الدورات الخاصة بالتخطيط الاستراتيجي وجوب تحديد الهدف الذي نريد الوصول إليه، وتحديد الطريق التي سنسلكها للوصول إلى الهدف، ومن ثم وضع آلية محددة من أجل الوصول إلى الهدف، مع وضع خطة زمنية لضمان الوصول في الوقت المناسب، مع مراعاة الإمكانيات والقدرات المتوفرة.
وتعلمنا أيضا أنه حين وضع الخطط وتنفيذها، يجب مراعاة المتغيرات الحاصلة، بحيث تتغير الخطط حسب تغير المعطيات الواقعية والإمكانيات المتوفرة، وكل ذلك يساعد في الوصول إلى الهدف في الوقت المناسب.
وتتميز الخطط الاستراتيجية عادة بالمرونة؛ خصوصا عندما تتعلق بالأهداف الكبرى، أو بالمشاريع السياسية، أو تغيير الواقع السياسي، أو مواجهة المحتل.
والقوى والحركات الإسلامية ككل القوى السياسية والحزبية معنية بالاستفادة من هذه المبادئ الأولية والأساسية في التخطيط الاستراتيجي، عندما تخوض معاركها السياسية أو الجهادية أو التغييرية.
وتغيير الأساليب أو الوسائل أو التراجع عن بعض الأهداف التكتيكية لا يعني التخلي عن الأهداف البعيدة المدى، التي تضعها القوى والحركات الإسلامية في رأس أولوياتها.
هذه الملاحظات يمكن أن تنطبق على كل الحراك السياسي القائم اليوم في الدول العربية، وخصوصا الحراك الذي تشارك فيه القوى الإسلامية، إن من خلال النضال الشعبي أو مواجهة الظلم والطغيان، أو على صعيد تغيير الواقع السياسي نحو الأفضل.
وهناك حركات إسلامية وأحزاب سياسية تطبق قواعد التخطيط الاستراتيجي بشكل جيد وصحيح، ومنها حركة النهضة في تونس وحركة
حماس في قطاع غزة، وحزب الله في لبنان وحزب العدالة والتنمية في المغرب، وحزب العدالة والتنمية في تركيا، حيث نلاحظ أن هذه الحركات عمدت وتعمد لتغيير أساليب عملها وطرق الوصول إلى أهدافها وفقا لتغير الظروف والقواعد والإمكانيات. وهذا ما نشهده أيضا لدى العديد من الدول الكبرى والكيانات المختلفة كما يحصل على صعيد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ودول أوروبا والكيان الصهيوني وبعض دول شرقي آسيا.
لكن بالمقابل نجد أن هناك حركات إسلامية وقوى سياسية وحزبية تغرق في الصراعات الداخلية، وتستمر في العمل في الوتيرة نفسها دون أي تغيير أو تبديل بالخطط؛ مما يضعها أمام الحائط المسدود دون أي تقدم أو تغيير في الواقع السياسي؛ بل إنه في كثير من الأحيان تصبح بعض هذه الحركات أسيرة نهج سياسي أو شعبي أو وسيلة نضال معينة ولا ترضى بالتراجع أو التغيير، حتى عندما تكتشف أن ما تقوم به من ممارسات لا يوصل إلى أية نتيجة إيجابية؛ بل يؤدي إلى المزيد من الخسائر والنتائج السلبية إن على مستوى الحركة والحزب أو على مستوى الوطن والبلد.
ولن أعطي نماذج عن هذه الحركات والقوى السياسية، كي لا أتهم بالتهجم على أحد أو بأنني لا أدرك الوقائع الحاصلة، لكن يمكن لأي مراقب أن يطبق قواعد التخطيط الاستراتيجي على كل حراك سياسي أو حزبي، وأن يدرس نتائج ما يجري كي يقيّم نتيجة هذا الحراك، وهل يوصل الحركة أو الحزب إلى الأهداف المطلوبة أم لا؟ وهل يؤدي هذا الحراك إلى نتائج إيجابية لصالح البلد أم العكس؟.
ولقد تعلمنا في ثقافتنا الإسلامية البسيطة أهمية المحاسبة والمراجعة أو ما يسمى في الثقافات الحزبية:
النقد الذاتي.
ونحن اليوم بحاجة إلى مراجعة شاملة من قبل كل الحركات والقوى الإسلامية حول ما تقوم به من صراعات داخلية أو خارجية؛ كي تدرس مدى صوابية أدائها، وهل هي تسير في الطريق الصحيح؟ وهل هي تحقق الأهداف المرجوة إن على المستوى الحركي أو المستوى الوطني والإسلامي؟
وإن تغيير الوسائل والأساليب وفقا لتغير المعطيات والإمكانيات لا يعني علامة ضعف؛ بل هو الأسلوب الأفضل من أجل تقصير الطريق للوصول إلى الأهداف الصحيحة، وهذا ما يحتاج إليه الكثير من الإسلاميين في هذه المرحلة.