الجيش التركي قام في ساعة متأخرة من يوم السبت الماضي، بعملية ناجحة في داخل الأراضي السورية أطلق عليها "عملية شاه الفرات"، وشارك فيها عشرات الجنود والدبابات والآليات العسكرية لنقل
ضريح سليمان شاه، جد مؤسس الدولة العثمانية، وإجلاء الجنود الأتراك الذين يحرسون الضريح.
ونقل رفات سليمان شاه مؤقتا إلى
تركيا، ليدفن لاحقا في المنطقة التي سيطر عليها الجيش التركي في محيط قرية "آشمة" السورية القريبة من الحدود التركية، ورفع العلم التركي في المنطقة المذكورة وبدأ العمل لبناء الضريح الجديد.
ضريح سليمان شاه سبق أن نقل مرتين؛ الأولى كانت عام 1939 في عهد عصمت إينونو، ونقل الضريح من سفوح قلعة جعبر إلى داخل القلعة في منطقة الجزيرة السورية على الضفة اليسرى لنهر الفرات على بعد 53 كيلومترا من مدينة الرقة. وكانت المرة الثانية عام 1975 بعد أن أوشكت مياه سد الفرات على إغراق القبر، ونقل الضريح إلى منطقة بالقرب من قرية قرة قوزاق.
الأرض التي بني عليها ضريح سليمان شاه مساحتها حوالي 10 دونمات وهي أرض خاضعة للسيادة التركية وفقا لمعاهدة أنقرة التي تم التوقيع عليها بين فرنسا وحكومة "المجلس الوطني الكبير" عام 1921. وتنص المادة التاسعة من الاتفاقية على بقاء القبر تحت الحكم التركي وإمكانية حمايته ورفع العلم التركي عليه. وهي الأرض الوحيدة ذات السيادة التركية خارج حدود تركيا. ولذلك فإنه لم يتم نقل الضريح إلى داخل الأراضي التركية حتى لا تتخلى تركيا عن أرضٍ تابعة لها، وكل ما تقوله المعارضة التركية حول تخلي الحكومة التركية عن جزء من أرض الوطن غير صحيح، بل إن كل ما في الأمر أنه تم تغيير مكان ذلك الجزء من منطقة إلى أخرى داخل الأراضي السورية لدواعٍ أمنية، كما أنه نقل قبل ذلك مرتين.
هناك خلط كبير لدى البعض بين موضوعي نقل ضريح سليمان شاه وما تمارسه إيران باسم "حماية المراقد المقدسة"، لأن إيران تزعم الدفاع عن الأماكن التي يعتبرها الشيعة مقدسة لتوسيع نفوذها، وإن كانت تلك الأماكن تحت سيادة دول أخرى. وأما ما قامت به تركيا، فهو الحفاظ على مساحة من الأرض بما تحتويه ونقلها إلى منطقة أخرى، وهي أرض خاضعة لسيادة تركيا يحرسها عدد من الجنود الأتراك وفقا للمعاهدات الدولية، وتعتبر جزءا من أرض الوطن وإن كانت خارج حدود تركيا ومحاطة بالأراضي السورية.
ومما لا شك فيه أن ضريح الصحابي الجليل خالد بن الوليد (رضي الله عنه) أولى للحماية والدفاع عنه من ضريح سليمان شاه، وأن الأحياء كذلك أولى بالحماية والدفاع عنهم من الأموات. ولو كانت الأرض التي دفن فيها الصحابي الجليل خالد بن الوليد (رضي الله عنه) تحت السيادة التركية وفقا للمعاهدات الدولية، لما ترددت تركيا في حمايتها والدفاع عنها. وليس من سياسة تركيا القتال من أجل المراقد، وهناك عشرات من المراقد العثمانية في أراضي دول أخرى وتحت سيادتها، ولا ترفع تركيا شعار القتال لحماية تلك المراقد، وإن كانت تعتبرها جزءا من التراث العثماني. وأما بما بالأحياء، فإن تركيا تأتي على رأس الدول التي بذلت وما زالت تبذل جهودا كبيرة لنصرة الشعب السوري وثورته، وهي الدولة الوحيدة التي اشترطت إقامة مناطق آمنة وحظر الطيران وإسقاط الأسد للانضمام إلى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".
تركيا تحاول التجنب بكل السبل الانجرار إلى حرب ليست حربها وليست لمصلحتها. وفي تعليقه على العملية، قال رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان إن "عملية ضريح سليمان شاه أدت إلى تفويت الفرصة على من أرادوا استخدام الضريح والجنود الأتراك لابتزاز تركيا". ويبدو أن الحكومة التركية علمت بمؤامرة تحاك لافتعال أزمة لإحراجها أمام الشعب قبيل الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في السابع من حزيران/ يونيو المقبل، فتم استباقها.
العملية الناجحة التي قام بها الجيش التركي كشفت عن تناقض الأحزاب المعارضة، لأنها حين احتجز "داعش" القنصل التركي وأسرته والعاملين في القنصلية التركية بالموصل، فقد كانت تتهم الحكومة بالإهمال والتقصير وعدم الإسراع في إجلاء العاملين في القنصلية.. وها هي نفسها تنتقد اليوم الحكومة لأنها قامت باتخاذ التدابير اللازمة حتى لا يقع الجنود الأتراك رهائن في قبضة "داعش" أو آخرين يتظاهرون بأنهم من التنظيم المذكور. وليس متوقعا أن تغير عملية "شاه الفرات" وانتقادات المعارضة لها ميول الناخبين الأتراك وآراءهم في الانتخابات المقبلة، لأن تلك الانتقادات في مجملها إما أنها فاقدة للمصداقية أو أنها تعبر عن موقف مؤيد للنظام السوري وجرائمه.