قضية الفتاة الجامعية "
أوزغه جان أصلان" التي قتلها سائق حافلة نقل ركاب صغيرة، هزت المجتمع التركي وأثارت نقاشا حول العقوبات التي ينالها المجرمون في مثل هذه الجرائم وفقا للقوانين وحول كونها غير رادعة، وسط أصوات مطالبة بإعادة مناقشة
عقوبة الإعدام.
الجريمة تمت بطريقة وحشية، وتشير نتائج التحريات واعترافات المشتبه بارتكابه للجريمة، إلى أن الفتاة ركبت الحافلة مع زميلة لها لتعود إلى بيتها بعد خروجهما من الجامعة بمدينة مرسين، ونزلت زميلتها من الحافلة في الطريق وظلت هي وحدها مع السائق، وبعد دقائق غيَّر السائق طريقه ليذهب بها إلى مكان ناء وحاول اغتصابها، إلا أنها لم تستسلم، بل قاومت السائق ورشّت في وجهه غاز الفلفل، وحاولت دفعه بيديها وأظافرها، ما أثار غضب السائق وأقدم على طعنها بالسكين وضربها بآلة حديدية على رأسها حتى فارقت الحياة. ثم استعان بوالده وأحد أصدقائه لمحو آثار الجريمة، وقاموا بإحراق الجثة وقطع يدي الضحية بهدف إزالة أي أثر محتمل للحمض النووي للمجرم كان من الممكن أن يبقى تحت أظافرها.
هذه الجريمة البشعة أثارت موجة غضب في الشارع التركي وخرجت مظاهرات للتنديد بها، وسط محاولة المعارضة استغلال الجريمة وردة فعل المجتمع لها لأغراض سياسية، بدلا من مناقشة أسباب مثل هذه الجرائم والإجراءات التي يمكن اتخاذها للحيلولة دون تكرارها. وسعت أطراف للربط بين الجريمة وحزب
العدالة والتنمية، إلا أن صور السائق المتهم بارتكاب الجريمة أثبتت دون أن تترك مجالا للشك أنه من مؤيدي حزب الحركة القومية. وكانت هناك احتجاجات بأساليب غريبة، مثل أن ترقص نائبة من حزب الشعب الجمهوري المعارض أمام الكاميرات بحجة لفت الانتباه إلى الجريمة، ورفض مجموعة من النساء اليساريات دفع الأجرة أثناء ركوبهن إحدى الحافلات العامة للاحتجاج على مقتل الفتاة.
وسط هذه الزوبعة، توالت تصريحات المسؤولين المنددة بالجريمة، ووعد كل من رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو ووزير العدل بكير بوزداغ، بمتابعة القضية عن كثب لينال المجرمين أشد العقوبات. وارتفعت أصوات من الأوساط السياسية والإعلامية وعامة الناس تطالب بإعادة عقوبة الإعدام وتطبيقها، وأكد رئيس لجنة العدل في البرلمان التركي "أحمد أييمايا" ضرورة إعادة مناقشة خيارات عقوبة الإعدام في جرائم
القتل القائمة على العنف ضد المرأة، وقالت النائبة "أوزنور تشالك" من حزب العدالة والتنمية إنها تعتقد بضرورة مناقشة إعادة عقوبة الإعدام.
عقوبة الإعدام ألغيت في
تركيا عام 2001 في عهد الحكومة الائتلافية التي كان يقودها رئيس حزب اليسار الديمقراطي بولنت أجاويد، بمشاركة حزب الوطن الأم برئاسة مسعود يلماز وحزب الحركة القومية برئاسة دولت باهتشلي، مع استثناء بعض الجرائم المتعلقة بالحرب والإرهاب، في إطار إصلاح القوانين لتتوافق مع معايير الاتحاد الأوروبي. وقيل آنذاك إن زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان تم إلقاء القبض عليه في العاصمة الكينية وتسليمه إلى تركيا عام 1999، بشرط أن لا يعدم، وقيل إن عقوبة الإعدام ألغيت حتى لا يتم تنفيذ عقوبة الإعدام التي أصدرتها المحكمة بحقه.
النقاش حول إعادة عقوبة الإعدام يتجدد مع كل جريمة بشعة تهز المجتمع التركي، ولكنه سرعان ما يغيب بعد عدة أيام لينشغل الرأي العام بقضايا ساخنة، وليس من المتوقع في الوقت الراهن إعادة عقوبة الإعدام في تركيا، لأنها تعني التراجع عن مساعي الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وقالت الحكومة إن مناقشة إعادة عقوبة الإعدام ليست موجودة في أجندتها، كما أن هناك نسبة كبيرة من الأتراك يرفضون تطبيق عقوبة الإعدام، ومن هؤلاء والد الفتاة الضحية الذي أكد في حديثه لوسائل الإعلام أنه لا يرى عقوبة الإعدام حلا لمثل هذه المشاكل.
هناك أمور أخرى يجب مناقشتها لمعالجة مشاكل الاغتصاب والعنف ضد المرأة وما شابهها، ولا شك في أن العقوبات الرادعة ضرورية، إلا أنها لا تكفي وحدها للحل، ومن الضروري أن لا تقوم وسائل الإعلام بتأجيج الغرائز الجنسية بشكل يدعو إلى مثل هذه الجرائم ويحسِّنها متسترة وراء حرية التعبير، كما أن هذه القضايا لا بد من مناقشتها بعيدة عن محاولة الاستغلال والتوظيف السياسي حتى يسهم الجميع في حلها.