خلال العام 2002، ونتيجة لتصاعد الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، بادر رئيس الوزراء الإسباني "خوسيه ماريا أثنار" إلى إنشاء اللجنة
الرباعية الدولية، التي جاءت مُناسبة لما عُرف بخطة خارطة الطريق الأمريكية التي أقرها الرئيس الأمريكي "
جورج بوش الأب" في العام ذاته، وهي لجنة أممية تم تشكيلها من المجتمع الدولي-الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، روسيا، والأمم المتحدة- لكنه كان حريصاً على ألا تشمل أيّ جهة عربية، على الرغم من انتقادات روسيّة ودعواتها في أوقات لاحقة، بضرورة توسيعها عن طريق انضمام الجامعة العربية إلى عضويتها، بعدّها صاحبة القضية، وأنها يجب أن تكون جزءاً من عملية وضع المبادرات والاقتراحات بشأن إقرار السلام، حيث تُرك دورها لمشاهدة أنشطة اللجنة وانتظار نتائج، على الرغم من أنها لم تفلح في تسجيل أيّ نتيجة إلى حد الآن، لعجزها عن ترجمة مسؤولياتها بخطوات عادلة، وتماشيها مع السياسة الأمريكية المنحازة لإسرائيل.
هذه الرباعية كانت جادّة عندما تتكلم بخصوص إسرائيل، بعكس ما هو باتجاه الفلسطينيين، ومن جهة أخرى فإنها لا تلقي بالاً للممارسات الإسرائيلية المتزايدة على الأرض ضدهم، وسواء بشأن الاستيطان المنتشر بأنحاء الأراضي الفلسطينية، أو بشأن الأسرى داخل سجونها ومعتقلاتها، وكان يتضح انحيازها، إذا ما انتقلت إلى الوضع الفلسطيني، حيث اعتبرت -على سبيل المثال- بأنْ ليس مطلوب من السلطة الفلسطينية التركيز على ضرورة تجميد الاستيطان، بسبب أنه معوّق أساسي للمفاوضات، وبضرورة أن تقوم بتقديم تنازلات حقيقية، يقتنع بها الجانب الإسرائيلي، وعلى رأسها الاعتراف بالدولة دولة يهودية، والتحذير من القيام بخطوات انفرادية، وبالنسبة لحركة
حماس، فعلاوة على أنها لديها حركة إرهابية، فإن عليها الاعتراف بإسرائيل، وبالتخلي عن المقاومة، إذا ما أرادت الاستمرار والمشاركة في العملية السياسية.
ما سبق يؤكّد، سيما وأن الولايات المتحدة هي التي تتصدر رعاية المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية والقضية بشكلٍ عام، أن اللجنة جاءت فقط للتغطية على السياسة الأمريكية، ولدرء كميّة الحرج عنها، الذي سيصيبها في حال تصدّرت مشاهد سياسية معينة، وبعدّها أداةً لها، تقوم بإحيائها كلما اقتضت سياستها إلى ذلك، حيث باتت نشاطاتها مقصورةً على إصدار الدعوات والمطالبات باتجاه إسرائيل والسلطة الفلسطينية، بضرورة مواصلة جهودهما في السلام، ولكن ذلك لم يحرمها من تسجيل نجاحات، ففي المناسبات السياسية العاصفة (ليس كلّها) تطُل بالدعوة إلى خفض التوتر وضبط النفس، كما أن المحافظة على بقائها لجنةً سياسيةً مسجّلةً على الساحة الدولية إلى الآن، وبقاء فروعها مُفتّحة الأبواب في أنحاء الدول وبخاصة في كل من رام الله وإسرائيل، هو في حد ذاته إنجاز.
على هامش مؤتمر الأمن في ميونخ بألمانيا، وبناءً على إشارة أمريكية، كان هناك اجتماع لممثلي اللجنة (وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري"، ونظيره الروسي "سيرغي لافروف"، ووزير الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي "فيديريكا موغريني" و"بان كي مون" الأمين العام للأمم المتحدة)، الذي أسفر عن أنها لا تزال قائمة، وأنها ستظل تشارك بنشاط مُهم في الأعمال التحضيرية لاستئناف عملية السلام، التي آنت الحاجة إليها، وفي أقرب وقت ممكن، أي بعد تحديد الحكومة الإسرائيلية المقبلة، التي يتوجب على الدول العربية الدفع باتجاهها بواسطة تقديمها ليونة أوسع، مساهمةً منها في إرساء السلام.
الرباعية قالت بدعوتها هذه، وهي تعلم بأن لا أحد من الأطراف، يمكنه قبولها بالمطلق، فبغض النظر عن أن العرب والفلسطينيين بخاصة، لا يرجون كثيراً من ورائها، بسبب أنها عاجزة وغير مكتملة، فإنهم كانوا قد قدموا المبادرة العربية منذ العام 2002، وليس بوسعهم توسيعها أكثر مما هي عليه، كما أن الرئيس الفلسطيني "أبو مازن" لا يمكنه التراجع إلى الوراء خطوة واحدة، وفي ذات الوقت، لا يمكنه في واقع الأمر، التوقيع على تسوية دائمة بسبب الأوضاع الفلسطينية المضطربة التي ليس من المأمول استقرارها قريباً.
وبدورها، فإن حركة حماس، لا يمكنها القبول بأيّة حلول بمعزلٍ عنها أو بعيدة عن سقف طموحاتها، التي تبنّتها في مناسبات لا تُحصى، وهكذا بالنسبة لإسرائيل، التي لم تستسغ إعلان اللجنة، بسبب تخوفها من أن تكون مقدمة لضغوطات آتية في الطريق إليها، باتجاه استئناف المفاوضات، وفي ضوء علاقاتها المتدهورة بالجانبين الأوروبي والأمريكي، وبما لا يتلاءم مع مصلحتها العليا، التي يتوافق بشأنها تياري اليمين واليسار لديها، كونهما وجهين لعملة واحدة، لكن الذي يحِّد من قلقها، هو أن اللجنة عدّت أن خطوة الجانب الفلسطيني، بالتوجه للأمم المتحدة، وبخاصة محكمة الجنايات الدولية، هي خطوة انفرادية، ومن شأنها أن تضر، فهي لا تزال تُراكم من تحدياتها بشأن إعلانها عن طروحات استيطانيّة جديدة، ومن اشتراطاتها في التوصل إلى سلام، وعلى رأسها متطلبات الأمن والاعتراف بالدولة اليهودية وبالتخلي عن القدس وحق العودة الفلسطيني، وقد سبق أن شرحت عنها في مرّات أيضاً لا تُعدّ، وأعطت نتيجة من أنه لم يعُد لديها سوى تسوية واحدة فقط، وهي انسحابات إسرائيلية -أحادية- ودون مقابل، وهي التسوية التي يمكن للرباعية أن تقبل بها في يومٍ ما.