طلبت منه ريم فتح باب الباص الخلفي كونه أوسع من الأمامي بمرتين على الأقل، واتجهت للخلف، فرفض السائق التركي وهم بالانطلاق لتركض دافعة عربة طفلها الرضيع أمامها باتجاه الباب الأمامي مرة أخرى، وحاولت الصعود فصاح بها موبخاً، وطلب منها أن تحمل الطفل وتطوي العربة الصغيرة وتحملها حملاً إلى داخل الباص.
ارتبكت ريم، المرأة السورية الموشحة بكل ألوان المأساة، وحملت طفلها ووضعته على كرسي داخل الباص، ونزلت مرة أخرى لتطوي العربة وتحملها وتصعد ثانية، على حد قولها. أما السائق فقد "استمر بالكلام والتذمر طوال هذه المدة بأسلوب خالٍ من الأدب والأخلاق لا يجرؤ بتاتاً على استخدامه مع أية امرأة تركية، لأنها كانت ستمسح به الأراضي كما يقولون"، حسب تعبير ريم.
يتعرض السوريون في
أنطاكيا للكثير من المضايقات لدى ركوبهم الحافلات العامة، وخاصة عندما تكون المرأة وأطفالها دون رجل، أو أن يكون الراكب رجلاً ظهرت عليه ملامح الضعف والفقر. وليس المقصود هنا التحرش، فالتحرشات بالنساء أمر غير موجود تقريباً وهذه ميزة هامة يحملها أهالي أنطاكيا.
وتتكرر مثل هذه المضايقات رغم أن السلطات التركية تقف غالباً في هذه الحالات إلى جانب السوري الذي يلقى يلقى معاملة جيدة عموما من جانب الحكومة التركية.
"أم عبدو"، سيدة سورية تحدثت لـ"عربي 21" عن موقف مشابه حدث معها عندما كانت تركب أحد الباصات المتجهة إلى جامع "حبيب النجار"، حيث وصل الباص إلى "سوق حلب" ونزل كل ركابه ولم تبق إلا أم عبدو وأطفالها الثلاثة في الباص.
تقول أم عبدو: "التفت السائق إليّ وبعربية فصيحة سألني: أين ستنزلون؟ فأجبته أننا سننزل عند موقف حبيب النجار، فقال لي أنا لن أذهب إلى هناك.. رغم أن خطه يصل إلى الجامع المذكور".
تضيف أم عبدو: "أخبرته أنني دائماً أصعد في الباص الذي يحمل نفس الرقم وهو 9، وأنه دائماً يوصلنا إلى حبيب النجار، فصرخ بي.. يلا انزلي ولا تحكي كتير". وتوقف وطردني من الباص أنا وأطفالي على الرغم من أنه أخذ منا أجرة كاملة، حتى عن الطفل ذي الخمس سنوات أصر (السائق) أن يأخذ أجرة مقعد في باصه. ونزلنا لنصعد في باص آخر وندفع الأجرة مرة أخرى بعد انتظار عشر دقائق في البرد والمطر".
يعتقد بعض المواطنين الأتراك أن حكومتهم تدفع للسوريين رواتب شهرية وتوصل إليهم الطعام والشراب والدواء وكل احتياجاتهم، في حين أن الحكومة التركية تقدم ذلك لمن هم في المخيمات وليس لمن يقيمون في المدن التركية، بل حتى إن بعض هؤلاء الأتراك يظن أن ارتفاع الضرائب سببه وجود السوريين، وعندما تصله فاتورة كهرباء عالية يشك أن السوريين وراء هذه "المصيبة" التي ألمت به.
كثيراً ما يبدأ سائق الحافلة بالحديث عن السوريين سلباً وشتمهم أحياناً عندما يلحظ أن أحد السوريين في الحافلة، ويكون الهدف مجرد استفزاز أو إشعار للراكب بالمهانة، على الرغم من أنه يدفع أجرة كغيره من الأتراك. كما يختلف التعامل بالمطلق مع الركاب السوريين. فمثلاً هناك عادة لدى الأتراك أن يقف أحد الرجال لتجلس المرأة في مكانه في حالات الازدحام، إلا أنه وفي معظم الأحيان لا يقوم أحد بهذا السلوك عندما تكون المرأة الواقفة سورية.
وهذا لا يقتصر على سائقي الحافلات. ففي إحدى المرات عندما كنا في سيارة أجرة (سرفيس) متجهة إلى "أوزات"، وكان أحد عمال البلدية يقتلع الأعشاب من الجزيرة الوسطية في الشارع، فالتفت العامل إلى السائق وقال بلهجة عصبية: "شوف شوف خيي.. لك السوريين ما تركوا عرق أخضر بأنطاكيا".
لكن هذا لا يعني أن الإساءة للسوريين هي السمة العامة للتعامل، حيث أن هنالك الكثير من المواطنين الأتراك الذين يعرضون مساعدتهم على السوريين، ويقدمون ما يستطيعون تقديمه، لاسيما عندما تصل أسرة فقيرة فارة من القصف من الداخل السوري، حيث يهب الجيران في معظم الأحيان إلى تقديم ما تحتاجه هذه الأسرة حديثة الوصول من البلد المنكوب.
الجدير بالذكر أن حوالي مليون ونصف المليون لاجئ سوري يعيشون في
تركيا، قسم منهم يقيم في المخيمات حيث يتلقون الرعاية الكاملة هناك، والقسم الأكبر يعيش في المدن التركية الحدودية غالباً، حيث يتلقون بعض التسهيلات المتعلقة بالتعليم والرعاية الطبية. وهذا العدد الكبير يولد جملة من الإشكالات، بعضها ناتج عن السلوكيات السلبية التي يقوم بها بعض السوريين، ما يعطي انطباعات سيئة أحياناً لدى المواطنين الأتراك ليقعوا في خطأ التعميم وليصبح السلوك الفردي صفة عامة يطلقها التركي على السوريين.