تتعدد أنواع الفنون التشكلية والحرف اليدوية في
الصومال، العامل المشترك بينها هو الخطر الذي يهدد بقاء هذه الفنون نتيجة الإهمال، لكن إصرار قليلين على إبقاء هذه الفنون والحرف عامل مشترك آخر.
في زاوية ضيقة، قرب شارع روما، وسط مقديشو، يعكف كل من عبد القادر عثمان، وحسين أحمد، على ممارسة فن تشكيلي لا يعرف الجيل الجديد من الصوماليين عنه كثيرا.
فبأدوات بدائية يصنع الرجلان اللذان دخلا عقدهما السادس تحفا وأدوات للزينة في عملية نحت معقدة، يستخدمان لصنعها عظام الإبل النافقة أو تلك التي تستهلك لحومها يوميا، لتمثل المادة الرئيسة في هذه الورشة الصغيرة لتدوير العظام.
بعد اختيارها من عظام حديثة الاستهلاك يبدأ عبدالقادر بصقل العظام معتمدا على ماكينة قديمة وأدوات مهترئة ليكون المحصول بعد ساعات عمل شاقة قلائد، وخواتم، وأقراط، وأساور، ومسابح مصنوعة من العظام، ليذهب بها إلى المتاجر التي تباع فيها الأدوات التقليدية والأثريات لبيعها.
"أن تصحو مبكرا وتذهب إلى مسالخ في ضواحي مقديشو حيث تتكدس العظام بعد استهلاك لحومها لجمع بقايا عظام الجمال هي بداية عملنا في كل يوم".. كلمات استهل بها عبد القادر عثمان حديثه لـ"الأناضول"، حول حرفته التي تواجها تحديات عديدة.
من بين تلك التحديات يقول عثمان إن "عملية جمع العظام تتم عدة مرات في الأسبوع، لكننا نخشى من المليشيات المسلحة التي تهددنا أحيانا وتفرض علينا إتاوات بعد أن علم قادة المليشيات أننا نستفيد من العظام.
كما أن غياب الدعم الرسمي لهذه المصنوعات، وعجز كثيرين من المواطنين عن شرائها لارتفاع أسعارها، يمثل تهديدا آخر لممتهني هذه الحرفة.
ويضيف عبدالقادر الذي قضى معظم حياته في هذه المهنة اليدوية إنهم يفضلون تصميم أدوات من عظام الجمال على عظام الماشية الأخرى لقدرتها على البقاء لسنوات طويلة عكس عظام الماشية الأخرى.
لا وهن جسده ولا بدائية أدواته من شأنهما أن يمنعا عبدالقادر من وخز العظام ونحتها في عملية معقدة، تتطلب دقة فائقة وطاقة لتتحول العظام إلى زينة تتزن بها المرأة مثلا بعد أن كانت مجرد عظام يعلوها الذباب، تنبعث منها رائحة كريهة. هو أمر بحسب عبد القادر يساهم على الحفاظ على البيئة.
أما حسين أحمد (55 عاما) فيقول لوكالة الأناضول، وهو منهمك في تصميم حبات مسبحة بيضاوية الشكل، "إن هذه المهنة التقليدية مهددة بالانقراض مالم تجد دعما من الجهات المعنية"، مشيرا إلى أنها "تجسد تقاليدنا وتمتد إلى عصور قديمة".
ويضيف أحمد أن هذه المهنة كانت تنشط في عهد الحكومة المركزية التي كانت توفر دعما لأصحابها وتزودهم بالأدوات المطلوبة.
وكان هؤلاء الفنانون يشاركون بمنحوتاتهم هذه في معارض الفنون التشكيلية الإقليمية والدولية، وهو أمر يفتقدونه لمدة أكثرمن عشرين عاما هي عمر الفوضى في البلاد.
وكسائر الصناعات والحرف التقليدية في الصومال، عانت حرفة
صناعة الحلي من العظام، كما عانى الصومال بأكمله الذي تقطعت أوصاله جراء حرب أهلية طويلة استمرت منذ 1991 وحتى 2006، مرورا بفصول أخرى من العنف لا تزال مستمرة حتى اليوم.
لكن حسين أحمد أشار إلى أن التحسن الأمني الذي يشهده البلاد قد يؤثر إيجابا على حرفتهم اليدوية حيث تشهد منتوجاتهم إقبالا كبيرا من قبل الأجانب والشركات الكبرى، إلى جانب المغتربين الذين يطلبون ببالغ اللهفة أدواتهم التقليدية.
أساور النساء من أهم المصنوعات التي تشهد إقبالا كبيرا من الزبائن، وتتراوح قيمة الزوج منها ما بين 50 و100 دولار، بحسب صانعي "حلي العظام".
حاج أبو بكر (50 عاما) مالك متجر لبيع الأدوات التقليدية، يقول إنه يستقبل يوميا عشرات الأشخاص ممن يفضلون الأدوات التقليدية عكس السنوات الماضية، مشيرا إلى أن تجارتهم تنشط يوما بعد آخر.
ومضى أبو بكر قائلا: "نرسل بعض منتجاتنا إلى دول الجوار ومنها جيبوتي، وكينيا، وإثيوبيا، إلى جانب الأقاليم الصومالية، حيث يأخذ بعض المغتربين الأدوات التقليدية إلى ذويهم في المهجر".
عائشة أحمد إحدى زبائن "حلي العظام" تقول بينما كانت تساوم على سعر قرط: "أنا أفضل أن أزين أذنيّ بالقرط المصنوع من عظام الإبل، بدلا من الأقراط المستوردة من الخارج"، موضحة أنها تزور يوميا هذا المتجر لمتابعة آخر
أدوات الزينة المحلية.
أما سعيد أبو بكر، وهو متسوق آخر، فيقول إنه أتى لشراء أدوات متنوعة تقليدية كتلك الحلي المصنوعة من بقايا العظام، مشيرا إلى أنه سبق واشترى أدوات عدة إلا أن جمال المسبحة المصنوعة من عظام الإبل اجتذبه مجددا.