على عكس ما يُظَن، يريد
اللبنانيون أن يصدقوا أن حوار "
المستقبل" - "
حزب الله" ايجابي ومجدٍ، وإن شكّكوا موقتاً - معذورين - بإمكان نجاحه. فالبرهان الوحيد المقنع لن يكون إلا بإجراءات عملية واضحة يستشعرها الناس، أما الكلام والنيات فسمعوا ورأوا وتلقّوا منها الكثير، ولا داعي للمزيد. وأما "تخفيف
الاحتقان المذهبي" فبمقدار ما أنه مطلوب وملحّ، بسبب تعاظم الأحقاد المتحوّلة الى تطرّف، بمقدار ما هو مرشح لأن يكون عنواناً مضحكاً. فالاحتقان نتيجة للشحن، فأيٌ من طرفَي الحوار أكثر اعتماداً على الشحن؟ قولاً وعملاً؟ مضى زمنٌ طويل منذ أقلع "المستقبل" عما يمكن تصنيفه تحريضاً من أي نوع، ففي جمهوره من يفهم اعتداله ضعفاً، وفي البيئات المتضررة مباشرة من تجاوزات "حزب الله" علّق أنصاره آمالاً على حملاته من أجل "تعزيز الدولة"، لكنهم انتهوا الى أن الدولة لا تحميهم، ولا الاعتدال.
أكره ما في هذا الحوار أنه "سنّي - شيعي"، كما يوصف بحكم الأمر الواقع، مثله مثل الحوار "المسيحي - المسيحي" الذي لم يبدأ بعد. لا مكان لحوار وطني، أولاً لأن تجربة 2006 صارت سابقة تعيسة، وثانياً لأن الحوار الممأسس في صلب الدولة عبر رئاسة الجمهورية خلال الأعوام الستة الماضية انتهى الى الصفر، واخيراً لأن لا رئيس حالياً ليتولّى دور الحَكَم. اذاً فالاعتماد الآن هو على حكمة ضائعة، وإنْ لم تكن معدومة. فأي "حكمة" في ما آلت اليه قضية الشغور الرئاسي، أو في مقاطعة جلسات الانتخاب، أو في معاندة مرشح "أنا أو لا أحد"؟
أرادوه حواراً سنّياً - شيعياً، فليكن. العبرة في الحصيلة. وقد تفضّل أحد مفسّري الماء بالماء فقال أن الهدف هو "تبريد الملفات الخلافية بإبعاد انعكاساتها على الشارع". عظيم، رائع، لكن كيف؟ هذا مع افتراض أن ما سبق كلام مفهوم. كيف يمكن أن نشرح أن هناك خطة أمنية وضعتها أجهزة الدولة لمنطقة البقاع وأن أحد أغراض الحوار اقناع "حزب الله" أو التوسل اليه بعدم عرقلة تنفيذها، وكيف السبيل للتأكد بأنه اقتنع وسيلتزم أم أن متطلّبات "أمنه" تبقى أهم وأولى من أمن الوطن والمواطنين؟.ثم كيف يمكن أن نبرّر لأيٍ كان أن ثمة أسباباً قاهرة وموجبة لإنشاء ما تسمّى "سرايا المقاومة" سوى أن ميليشيا كبيرة تؤسس ميليشيا صغيرة لتكليفها بالأعمال القذرة. والمرجو في هذا الحوار أن يقتنع "الحزب" أيضاً بالحدّ من تشبيحات هذه "السرايا"...
يمكن تخيّل وسائل كثيرة لتخفيف "الاحتقان المذهبي"، خصوصاً في الخطاب السياسي والاعلامي، لكن الإشكالية التي ستمثل أمام الطرفين هي أن أحدهما نشأ وترعرع واستمر على الشحن المذهبي، فإذا قرر التوقف سيواجه خطر التلاشي و... الاعتدال.
(نقلا عن صحيفة النهار اللبنانية)