كتب سميح صعب: هل هو اقتناع الرئيس الأمريكي باراك أوباما فعلاً بـ"إخفاق" سياسة العزلة والعقوبات مدى نصف قرن حيال
كوبا، كان وحده الدافع الذي حدا الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ قرار بإقامة علاقات طبيعية مع كوبا؟ أم أن ثمة عوامل أخرى لا تقل عنه أهمية، هي التي حفزت أوباما على اتخاذ القرار التاريخي؟
فالعلاقات الطبيعية مع كوبا تأتي في ذروة الحرب الباردة المتجددة مع روسيا، مما يطرح الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام عن مغزى الرسالة التي أراد أوباما أن يبعث بها إلى موسكو، من خلال الإعلان عن الانفتاح الأمريكي على حليف تقليدي لروسيا في هذا التوقيت بالذات؟
وفي الوقت عينه، أليس في حكم الوارد أن يكون أوباما أراد أيضاً من خلال المصالحة مع كوبا، أن يبعث برسالة إغراء إلى
إيران كي تتخلى عن تحفظاتها وتمضي أكثر نحو الانفتاح على أمريكا؟ وأليس لافتاً أن يأتي الإعلان الامريكي عن تحقيق الاختراق السياسي مع كوبا، في الوقت الذي كانت الجلسة الأولى من
المفاوضات النووية الممددة تنعقد في جنيف بين إيران وممثلي مجموعة دول 5 + 1؟
وليس مستبعداً أن يكون أوباما تقصد التزامن بين مفاوضات جنيف والإعلان عن فتح صفحة جديدة في العلاقات مع خصم قديم مثل كوبا. ربما أراد الرئيس الأمريكي أن يوحي إلى إيران بمدى استعداده لاتخاذ قرارات حاسمة في حال التوصل إلى اتفاق على البرنامج النووي الإيراني. واختار أوباما كوبا لأنها الحالة الأقرب إلى الحالة الإيرانية، من حيث الحصار الاقتصادي الأمريكي المفروض عليها. فكما يواجه أوباما معارضة قوية من الكونغرس الجمهوري لإقامة علاقات طبيعية مع كوبا، كذلك هو الحال مع إيران.
لكنه مع ذلك يقول من خلال السيناريو الكوبي إنه مستعد لخوض مواجهة مع الكونغرس؛ دفاعاً عن قرارات يرى أنها تصب في مصلحة الولايات المتحدة.
وهكذا، فإن قرار الانفتاح على كوبا على تاريخيته لا يلغي العوامل المساعدة على اتخاذه، سواء ما يتعلق منها بالمواجهة مع روسيا في أوكرانيا وسوريا، أو تلك المتعلقة بتقديم نموذج حي يشجع إيران على الاقتراب من الولايات المتحدة.
ومثلما كانت سياسة الحصار المفروض على كوبا، تعتبر مثالاً للتشدد الأمريكي منذ 53 عاماً في التعامل مع الدول التي تخرج عن طوق واشنطن، يحاول أوباما أن يجعل كوبا نفسها نموذجاً لما يمكن أن تقدم عليه واشنطن من قرارات جوهرية، إذا ما رأت أن ذلك يتفق ومصالحها.
لا يعني ذلك في حال من الأحوال أن أمريكا قد غيرت سياساتها منذ اختارت المصالحة مع كوبا. فحرب العقوبات على روسيا تذكر بالوجه الحقيقي للولايات المتحدة.
(عن صحيفة النهار اللبنانية 20 كانون الأول/ ديسمبر 2014)