منذ بداية فعالياته قبل 14 سنة، استقبل
المهرجان الدولي للفيلم بمراكش أعمالا سينمائية عالمية لمُخرجين تصدرت أسماؤهم لوائح التتويج في كبريات المهرجانات السينمائية، لكن المسابقة الرسمية للمهرجان ظلت مشرعة أيضا في وجه مُخرجين شباب ينتمون لجغرافيات سينمائية مختلفة، ترصد أفلامهم واقع الشباب وتمردهم على مجتمعاتهم وأعرافها.
المُخرج السويسري سيمون جاكمي ينتمي إلى هؤلاء المبدعين الشباب، حيث دخل أول فيلم روائي طويل له "حرب" غمارة المنافسة على الجوائز الخمس للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش المرتقب إعلان الفائزين بها السبت المقبل، عبر قصة يرصدُ خلالها لغة العنف التي تستحيل لدى بعض الشباب المراهق المتمرد، حين تنعدمُ كل جسور الحوار وتتقطع حبالها، لغة للتواصل مع المجتمع والأهالي.
ويختار المُخرج سيمون جاكمي شخصية المراهق ماتيو ليعبر عن نفسية يعتصرُها الألم والخوف والعنف في ذات الآن، تفشل في التواصل مع محيطها، ولا تجد حرجا في التمرد عليه والانتقام منه، فكل ما يقع تحت يديها تعيث فيه تكسيرا وتحطيما، فلا هدف ناظم لحياتها سوى تفريغ شحنات الغضب الفوضوي الذي يعتريها، وإشباع رغباتها والبحث عن مزيد من اللذة.
يجد والدا ماتيو نفسيهما مضطرين إلى التخلي عن ابنهما، والزج به في ضواحي المدينة بعيدا عن حياتهما بسبب سلوكياته العدوانية، حيث سيقيم في مزرعة بالضواحي، أملا في أن يعيش تجربة قاسية تعدل سلوكه، وتُعيده إلى الطبيعة وصفائها، لكنه وعلى غير المتوقع يُصادف في هذه المزرعة، التي يديرها رجل عجوز، ثلاثة شبان عدوانيين ومنحرفين يعملون في البداية على إذلاله والرمي به في قفص مخصص للكلاب، قبل أن يستطيع مد جسور التواصل معهم ومُصاحبتهم.
ينطلق ماتيو برفقة هؤلاء الشباب في مغامرات إجرامية، طافحة بالعنف والتمرد، فهم لا يجيدون التخاطب بأي لغة سوى لغة العنف وتدمير كل ما يحيط بهم، تعبيرا عن سخطهم على مجتمعهم، وعن فقدانهم لعائلات تأويهم وتؤمن لهم الرعاية والمأوى، فحياة هؤلاء لا تبدأ إلا حين تعمُّ الظلمة، يعيثون في الشوارع فسادا، وينتقمون من كل ما أساء إليهم بالعنف والتهديد.
مايتو الذي طرده والده من البيت، لم يتخلص من الغل العميق الذي يكنه له، وغادر الكوخ الذي يقيم فيه برفقة أصدقائه، وبعد أن استفرد بوالده انبرى في ضربه بشكل مبرح، قبل أن يُغادر هاربا خشية أن تتعقبه الشرطة، وبعد أن ضاقت السبل بـماتيو ورفاقه، وبدأت وضعيتهم تسوء، اتخذوا قرارا بالمُغادرة قبل أن تتمكن الشرطة من كشف مخبئهم، حينها سيضطر ماتيو إلى العودة إلى منزل والديه مكرها.
رغم الاستقبال الحار الذي حظي به هذا "المراهق المتمرد" من قبل أمه وأبيه، ومحاولتهما إحاطته بالعناية والدفء، إلا أنه سرعان ما غادر مجددا البيت بحثا عن أصدقائه القدامى، وحين حل ماتيو بالربوة حيث الكوخ المتهالك لرفاقه، وجده خاليا إلا من بقايا حاجياتهم، حين أطلق ماتيو المحطم نفسيا صرخة متألمة، دليلا على ضياعه وتيهه.
في مختلف أجزاء الفيلم، ركز المخرج سيمون جاكمي على قسمات شخوص قصته، فكما تعبر حركاتهم العنيفة عن غضب وفوضى عارمة تطوق حياتهم،
تشي نظراتهم بتلك الصورة سيميائيا، تفصح عن حيرة وألم عميقين ونفسية كثيفة الهشاشة، تطالبُ المجتمع أيضا بحمايتهم والعمل على إدماجهم داخله.
فيلم "حرب" لا يعد الأول من نوعه ضمن
الأفلام المشاركة في مسابقة المهرجان هذه السنة الذي يتناول موضوع الشباب المتمرد، والمشاكل التي يعاني منها، حيث سبقه فيلم "قسم إعادة الإدماج" للمخرج الروسي إيفان تفيردوفسكي الذي يروي قصة شابة مراهقة تسعى للاندماج في محيطها الدراسي، رغم المعيقات التي تحيط بها وسخرية زملائها.
يشار إلى أن المخرج سيمون جاكمي (مواليد سنة 1978) بعد تخرجه من قسم السينما في جامعة الفنون بزيوليخ، كتب وأخرج أول فيلم قصير له بعنوان "القلعة" إلى جانب فيلمين قصيرين آخرين وهما "بلوك" و"حزب لورا" اللذين شاركا في أزيد من 30 مهرجانا دوليا، فيما يعد فيلمه "حرب" (إنتاج 2014) أول فيلم سينمائي طويل له.
ويرتقب أن تعلن لجنة تحكيم المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش ليلة السبت المقبل عن أسماء الفائزين بالجوائز الخمس للمهرجان (جائزة النجمة الذهبية، الجائزة الكبرى، جائزة لجنة التحكيم، جائزة أفضل إخراج، جائزة أفضل دور نسائي، وجائزة أفضل دور رجالي)، حيث تشارك 15 فيلما في المسابقة التي ترأس الكوميدية الفرنسية الشهير إيزابيل هوبيير لجنة تحكيمها.