كتب ديفيد غاردنر، المعلق في صحيفة "فايننشال تايمز"، أن
السعودية تستخدم تراجع أسعار
النفط سلاحا ضد جارتها الشيعية
إيران.
ويقول غاردنر "مع تراجع أسعار النفط لأدنى مستوياتها منذ خمسة أعوام، تتصرف السعودية، التي تملك أكبر احتياطي للنفط الخام في العالم، بهدوء غير طبيعي، لدرجة عبر فيها الأمير الوليد بن طلال، الذي يعد من أهم المستثمرين المعروفين في المملكة قبل أسابيع، عن دهشته من حالة الرضا عن النفس التي بدرت عن الحكومة في مواجهة هذه (الكارثة). وجاءت مواقف الأمير الوليد وسعر برميل النفط لا يزال 90 دولارا" .
ويضيف الكاتب "هناك أسباب تقنية تجعل السعوديين في حالة من المزاج المتفائل في الوقت الذي انخفضت فيه أسعار برميل النفط لأقل من 70 دولارا للبرميل. وقال المسؤولون إن الوضع لا يختلف عن الدورات التي تمر بها أي بضاعة. ويقولون إن السوق عادة ما تحدد الأسعار. فكل ما يهم السعوديين هو حماية حصة السوق. ويقول المحللون إنه إذا كان هناك أي داع (سياسي) وراء هذا الموقف فإنه محاولة لدفع منتجي النفط المستخرج من الصخر الزيتي وبكلفة عالية إلى خارج السوق".
ويشير غاردنر إلى أن "السعوديين لا يمكنهم تحديد سعر السوق، كما هو حال منظمة الدول المنتجة والمصدرة للنفط (أوبك)، ولكن هل يحتجون كثيرا عندما لا يفعلون شيئا لوقف هبوط الأسعار؟، فليست الدول الأعضاء في "الكارتل" التي تعد السعودية عضوا مؤثرا فيها، هي التي تجنبت تخفيض الإنتاج في لقاء المنظمة الشهر الماضي. فالسعوديون حتى شهر أيلول/ سبتمبر يزيدون من تدفق النفط للسوق بكميات كبيرة".
وبحسب الكاتب "لم يتخل السعوديون أبدا عن استخدام البترودولار لخدمة أهدافهم السياسية، فهو سلاحهم الدبلوماسي الرئيسي، ويبدو أنهم وحلفاءهم من دول الخليج يستخدمونه سلاحا سياسيا موجها ضد إيران".
ويلاحظ الكاتب أن مواجهة المشاكل السياسية والاجتماعية برش المال عليها كان واضحا من اندلاع سلسلة من الانتفاضات العربية قبل أربعة أعوام. ففي بداية عام 2011 قام الملك عبدالله برش 130 مليار دولار على مواطنيه في سلسلة من برامج الرفاه الاجتماعي الواسعة.
ويبين غاردنر أنه تم تصدير هذا النموذج التقليدي، الذي تشتري من خلاله الدولة الولاء وبسرعة، إلى دول الجوار، التي كانت تتعرض لأوضاع صعبة. فبعد ساعات من الانقلاب العسكري ضد الإخوان المسلمين -الذين يعدون جماعة منافسة- قامت السعودية والإمارات العربية المتحدة بتقديم حزمة مساعدات من 12 مليار دولار أميركي للجنرالات، أي عشرة أضعاف الحزمة السنوية التي تقدمها الولايات المتحدة للجيش المصري.
ويستدرك غاردنر أن إيران هي التهديد الإقليمي والمنافس لآل سعود ونموذجهم في الحكم المطلق. فقد قامت إيران منذ تنصيب حكومة شيعية بعد الغزو، الذي قادته الولايات المتحدة، ببناء محور شيعي من بغداد إلى بيروت وبتأثير من جيران السعودية في البحرين واليمن.
ويؤكد الكاتب أن الوهابية السعودية وكراهيتها للشيعة تعد عاملا مهما في التنافس مع الجمهورية الفارسية والإسلامية على النفوذ في الخليج والشرق العربي، ويجب أن تؤخذ هذه الكراهية بعين الاعتبار عاملا في معادلة أسعار النفط، فالسعودية التي تجلس على احتياطي من العملة الأجنبية بأكثر من 750 مليار دولار، يمكنها أن تتجاوز أزمة التراجع في عائدات النفط، لكن إيران التي تريد أن يكون سعر برميل النفط ضعف سعره الحالي من أجل تسديد احتياجاتها، تعاني من نزيف مستمر، فهي تواجه عقوبات، وتنفق طهران حسب بعض التقديرات 1.5 مليار دولار لدعم حلفائها في سوريا والعراق.
ويجد الكاتب أن "إيران تقف في جانب، إن لم تكن حليفة، لكل من الولايات المتحدة والدول الأوروبية وشركائهم العرب، بمن فيهم السعودية، في الحرب ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام، فيما يواصل الرئيس باراك أوباما محاولاته للتقارب مع طهران عبر المفاوضات حول طموحاتها النووية. ولكن الولايات المتحدة لا تشك ولو للحظة حول المشاعر السعودية تجاه إيران الشيعية".
ويختم غاردنر بالقول "بحسب شخصية عربية موثوقة فقد أخبر مسؤول سعودي بارز وزير الخارجية الأميركي جون كيري عندما كان يتحدث مع القادة العرب السنة هذا الصيف، حول تشكيل تحالف ضد الجهاديين (داعش هو رد السني على دعمكم لحزب الدعوة المدعوم من طهران والحاكم في العراق). وفي النهاية فالذي يؤثر على أسعار النفط هو السوق وليس العكس".