مقالات مختارة

المواقف العربية تجاه إيران..تغيرات جذرية

1300x600
ثمة غضب واسع النطاق في ربوع عواصم العالم العربي، بسبب تهميشها من قبل إدارة أوباما في مفاوضات مجموعة «5+1» الدائرة مع إيران. وكثيرون من العرب متشككون في النوايا الأميركية، وقلقون من أن مخاوفهم بشأن الدور الإقليمي لإيران لن يُلقى لها بالاً في محاولة للوصول إلى اتفاق نووي. ومع إعلان تمديد المفاوضات مرة أخرى خلال الأسبوع الجاري، انصب تركيز وسائل الإعلام حصراً على ردود الأفعال الإسرائيلية والقادة السياسيين في الولايات المتحدة. ولكن كيف ينظر العالم العربي إلى إيران وبرنامجها النووي؟ وكيف يقيم الإيرانيون سياسات حكومتهم وما هي توقعاتهم المستقبلية؟

وفي محاولة للإجابة على هذه الأسئلة، أجرى مركز زغبي للخدمات البحثية استطلاعاً للرأي في ست دول عربية وإيران، بطلب من منتدى «صير بني ياس» الذي يعقد في نوفمبر من كل عام وترعاه وزارة الخارجية الإماراتية بالتعاون مع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الذي يتخذ من واشنطن مقراً له. وسلّطت النتائج الضوء على الخلاف السياسي العميق الموجود بين إيران وجيرانها والانفصال الخطير في الطريقة التي يقيم بها العرب من جهة، والإيرانيين من جهة أخرى، الدور الإقليمي لطهران.

وبإيجاز، أظهرت النتائج قلق العالم العربي بصورة متزايدة من سياسات إيران وطموحاتها النووية، وافتقاده الثقة في نتيجة العملية التفاوضية التي تقوم بها مجموعة «5+1».

ومثلما أشرنا في دراسات سابقة، مرت المواقف العربية تجاه إيران بتغيرات جذرية خلال الأعوام الستة الماضية. وخلال الفترة من 2006 إلى 2008، بينما كان كثير من العرب متأثرين بالدمار الذي ألحقته إسرائيل بلبنان، وغاضبون من الغزو والاحتلال الأميركي للعراق، حظيت إيران بمعدلات تأييد مرتفعة في الشرق الأوسط بسبب مقاومتها للغرب. ولكن ما أن حول «حزب الله» الحليف الإيراني في لبنان أسلحته إلى الداخل فيما رآه البعض استيلاءً طائفياً على السلطة، واعتُبرت إيران مؤججاً للصراع الطائفي في الدول العربية، تغيرت المواقف. ومثلما لاحظنا في دراستنا عام 2012 المعنونة «النظرة إلى إيران»، كان دور طهران في دعم حكومة الأسد في سوريا «هي المسمار الأخير في نعش» مكانة إيران لدى الرأي العام العربي.

وفي عام 2008، كانت معدلات تأييد إيران مرتفعة إذ تراوحت بين 70 و80 في المئة في كثير من الدول العربية، وبحلول 2011، تراجعت هذه المواقف بأكثر من 60 إلى 70 نقطة في معظم الدول. ورغم أن البعض في الغرب حاول التقليل من شأن الطائفية، إلا أن السياسة هي التي لعبت في الحقيقة دوراً مهماً في تراجع التأييد. وفي عيون كثير من العرب، لم تعد إيران تعتبر معقل المقاومة القائمة على المبادئ. وأصبحت النظرة إليها أنها جار يسعى وراء أجندة خطيرة ومخادعة.

وفي استطلاع عام 2014، عندما سألنا العرب بشأن ما إذا كانت «إيران تساهم في سلام واستقرار المنطقة، أجاب ما يتراوح بين 74 و88 في المئة من الأردنيين والمصريين والسعوديين والإماراتيين سلباً. وحتى 57 في المئة من العراقيين اعتبروا أن الدور الإقليمي لإيران له تأثير سلبي. وهناك أغلبية أو أكثرية في الدول ذاتها أكدت أن السياسات الإيرانية لها تأثير سلبي على كل من سوريا والعراق والبحرين واليمن.

وفي تناقض ملحوظ مع تلك الآراء العربية، أعرب 98 في المئة من الإيرانيين عن اعتقادهم بأن دولتهم تلعب دوراً إيجابياً في الشرق الأوسط وأن سياسات حكومتهم كان لها تأثير إيجابي على العراق (بنسبة 77 في المئة) وسوريا (72 في المئة) ولبنان (68 في المئة) والبحرين (58 في المئة)، بينما اعتبر 52 في المئة من الإيرانيين أن لسياسات الحكومة في طهران تأثيرا إيجابيا على اليمن.

وما يؤكد أيضاً الشرخ العميق الذي يفصل المنطقة العربية عن إيران، حقيقة أن اللبنانيين والعراقيين فقط يعتبرون أن لدولتيهم علاقة إيجابية مع إيران، في حين أن أغلبية كبيرة في الأردن ومصر والسعودية والإمارات أكدوا أنه علاقة دولهم مع إيران ليست جيدة، وأنهم لا يرغبون في تحسنها.

وفي ضوء هذا الانقسام المقلق في المواقف والمفاهيم، لا عجب أن الافتقار إلى الشفافية بخصوص محادثات مجموعة «5+1» والتسريبات عن تبادل الرسائل الخاصة بين واشنطن وطهران قد أدى إلى زيادة المخاوف العربية. ومثلما أشرنا مراراً، هناك أهمية كبيرة للرأي العام ليس فقط في إسرائيل والولايات المتحدة، ولكن أيضاً في هذا العصر الذي باتت فيه الجماهير تعيد تشكيل السياسة في الشرق الأوسط، لابد من أخذ آراء العرب والإيرانيين بعين الاعتبار. ولابد من طمأنة العرب أن الغرب يفهم مخاوفهم، وفي الوقت ذاته لابد أن يرى الإيرانيون رابطاً بين مآسيهم الاقتصادية وطموحات حكومتهم النووية وسياستها الخارجية.



(صحيفة الاتحاد الاماراتية)