عندما أبقت منظمة البلدان المصدرة للبترول (
أوبك) على مستويات إنتاج
النفط أمس الخميس، مما أدى إلى تراجع أسعار الذهب الأسود، أصبح هناك فائزون وخاسرون بسبب هذا القرار.
وبعد اجتماع استمر لمدة خمس ساعات في العاصمة النمساوية فيينا أمس، قال وزير النفط السعودي "علي النعيمي" إن منظمة "أوبك" قررت الإبقاء على سقف الإنتاج " عند 30 مليون برميل يومياً دون تغيير، بخلاف ما طالب به بعض الدول الأعضاء مثل فنزويلا لوقف هبوط أسعار النفط هذا العام.
وتضم أوبك حالياً العراق، وإيران، والسعودية، والإمارات، وأنجولا، والكويت، وقطر، وفنزويلا، والإكوادور، وليبيا، والجزائر، ونيجيريا.
ويأتي في مقدمة الفائزين من قرار أمس، دول الخليج بقيادة
السعودية، في إطار الوفاء بالتزاماتها بتوفير أسعار نفط منخفصة للمساهمة في انتعاش الاقتصاد العالمي، وأيضاً الحفاظ على حصتها في السوق ومستويات الإيرادات، بالإضافة إلى عدم تشجيع الدول المستوردة للنفط لاستخدام التكنولوجيا المتطورة، التي تتطلب تكلفة مادية باهظة لتوفير النفط والغاز من الصخر، مما يؤدي إلى فقدان مزيد من حصتها بالأسواق العالمية.
ووفقاً لتقديرات وكالة الطاقة الدولية، ربما تؤدي ثورة الطاقة الصخرية لأن تصبح الولايات المتحدة مستقلة بذاتها في مجال الطاقة خلال عقدين من الزمن.
ومن ضمن قائمة الرابحين من قرار أوبك أمس، المستهلك الأمريكي للبنزين حيث بلغ سعر جالون البنزين 2.80 دولاراً أمس الخميس، متراجعاً من 3.29 دولاراً قبل عام، ويبدو أنه من المؤكد أن يتراجع أكثر.
وانخفضت أسعار نفط خام برنت بأكثر من 6 إلى 68 دولاراً، بعدما قالت أوبك إنها ستبقى على سقف الإنتاج عند 30 مليون برميل يومياً، هذا أدنى مستوى للأسعار في أكثر من 4 سنوات.
وانخفاض أسعار النفط يساعد أيضاً المستهلكين في البلدان المتقدمة مع اقتراب موسم العطلات للتسوق، حيث يؤدي إلى تراجع الأسعار في محطات البنزين وفواتير التدفئة للمستهلكين، الأمر الذي يوفر المزيد من المال للبنود التقديرية مثل تناول الوجبات في المطاعم وقص الشعر وشراء الأجهزة الإلكترونية.
وقال اقتصاديون في بنك "جولدمان ساكس" في دراسة نشرها الأربعاء الماضي، إن انخفاض أسعار الغاز على مدى الأشهر الستة الماضية يعادل خفض الضرائب بقيمة 75 مليار دولار في الولايات المتحدة، بينما يؤدي هبوط أسعار النفط إلى خفض تكاليف الإنتاج والشحن لمجموعة من المصنعين والمزارعين والشركات في الولايات المتحدة.
ويرى جوزيف كارسون، الخبير الاقتصادي في "أليانس بيرنشتاين" أن "الفائدة التي تعود على الاقتصاد من وراء ( خفض أسعار النفط) هي كبيرة جداً".
وتستفيد منطقة اليورو أيضاً من تراجع أسعار النفط، حيث إنها مستورد كبير للنفط وانخفاض أسعار النفط، على الرغم من تعويضها قليلاً بتراجع اليورو مقابل الدولار سيدعم قدرة الإنفاق للمستهلكين في أوروبا، الذين لا يزالون يعانون من معدلات البطالة المرتفعة وسط حالة الركود لفترة طويلة في المنطقة.
ويستفيد العديد من الاقتصادات الناشئة الآسيوية، التي تستورد النفط من انخفاض أسعار النفط. ويمثل تراجع أسعار النفط "نعمة حقيقية بالنسبة لبعض البلدان في آسيا، بما في ذلك الهند ولديها وضع هش في الحساب الجاري"، حسبما يقول أريك تشاني كبير الاقتصاديين العالميين في "مجموعة أكسا" بباريس.
وعلى الجانب الآخر، تأتي روسيا في مقدمة الخاسرين، وبعض دول أمريكا الجنوبية وإفريقيا، التي يعتمد اقتصادها اعتماداً كبيراً على ارتفاع أسعار النفط للحفاظ على استمرارية الإنفاق.
وتعاني روسيا حالياً من العقوبات الاقتصادية بسبب الأزمة في أوكرانيا، وتحتاج إلى ارتفاع أسعار النفط للحفاظ على إبعاد اقتصادها عن حافة التراجع.
وتمثل عائدات النفط والغاز نحو 50% من إيرادات الحكومة الروسية، كما يؤدي انخفاض أسعار الطاقة بشكل حاد إلى تراجع العملة الروسية ( الروبل) خلال العام الجاري، وبعد قرار أوبك أمس، تراجع الروبل 3.6% مقابل الدولار.
وفي فيينا، اعترف وزير النفط الفنزويلي رفائيل راميريز بالهزيمة عندما ظهر غاضباً من نتائج اجتماع أوبك. وكان أكثر من نصف الوزراء من دول أوبك، النصف الأكثر فقراً، يؤكدون أن السوق تعاني من وفرة الإمدادات، ويتطلب الأمر التحرك نحو خفض الإنتاج.
وتضم قائمة الخاسرين، منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة وكندا، الذين يمكن أن يتضرروا أيضاً، حيث تجعل أسعار النفط الخام المنخفضة من الصعب بالنسبة لهم بدء مشاريع جديدة أو توسيع عمليات الحفر؛ لأنهم يعولون على عوائد عالية لتمويل عمليات استخراج النفط من الصخر والمكلفة مادياً للغاية.
وربما تكون "أوبك" بنفسها الخاسر الكبير أيضاً، فبعدها هيمنت لسنوات على المناقشات بشأن سوق النفط، ولا تزال كذلك، بينما قدرتها على ضبط الإنتاج للحصول على ما تريد، تتناقص، بينما أصبحت دول أخرى في وضع أفضل لتنويع مصادر إمداد السوق بالنفط.
وتجاوز إنتاج الولايات المتحدة 9 ملايين برميل يومياً، الأعلى منذ بدء إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تسجيل المعدلات في عام 1983، بالإضافة إلى زيادة الإنتاج في كندا والبرازيل ومنطقة بحر قزوين، ما يمثل تحدياً لهيمنة أوبك التقليدية.
وقدر محللون قبل اجتماع أمس أن أوبك بحاجة إلى خفض الإنتاج بمقدار 1.5 مليون برميل يومياً لدعم أسعار النفط، التي تراجعت بأكثر من 30% منذ الصيف.
ونقلت صحيفة " وول ستريت" الأمريكية عن محللين قولهم "إن نتائج اجتماع (أمس)، تمثل نقطة تحول في سوق النفط، أوبك تشير بوضوح إلى أنها لم تعد تتحمل عبء ضبط السوق بمفردها، وهذا القرار (الإبقاء على سقف الإنتاج عند 30 مليون برميل يومياً)، يضع المسؤولية على عاتق المنتجين الآخرين، وبخاصة الولايات المتحدة".
ويؤدي غياب دور أقوى لأوبك إلى جعل حدوث انتعاش في أسعار النفط أقل احتمالاً، كما يضع مزيداً من الضغوط على البلدان المنتجة التي اعتادت أن يكون سعر برميل النفط فوق 100 دولار، لفترة طويلة من الوقت منذ أوائل عام 2011.
وتتمكن قطر والكويت، من بين أعضاء أوبك، من ضبط الموازنة لديهما العام المقبل في ظل بقاء الأسعار في مستواها الحالي.
وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي ومصرف" دويتش بنك الألماني" إلى أن سعر النفط المطلوب لإحداث تعادل في موازنات الدول الأعضاء في أوبك كالتالي، 184 دولاراً للبرميل في ليبيا، و 131 دولاراً للبرميل في
إيران و 131 دولاراً للبرميل في الجزائر و123 دولاراً للبرميل في نيجيريا و118 دولاراً للبرميل في فنزويلا و 104 دولارا ت للبرميل في السعودية و101 دولاراً للبرميل في العراق و81 دولاراً للبرميل في الإمارات و 78 دولاراً للبرميل في الكويت و 77 دولاراً للبرميل في قطر.
ويرى خبراء في مجال النفط أن التقاعس النسبي لأوبك في الوقت نفسه، يترك صناعة النفط، وخاصة للمنتجين بالولايات المتحدة.
وتسود خلافات بين الدول الأعضاء في أوبك بشأن خفض إمدادات النفط لرفع الأسعار، حيث يرفض بعضها خفض إنتاجها خوفاً من فقدان الدخل المهم المرتبط بالنفط وحصتها في السوق. وأعلنت الجزائر وفنزويلا عن استعدادهما لخفض الإنتاج، حال التوصل الجماعي لخفض الإنتاج ( قبل اجتماع أمس).