كتب عبد القادر سلفي: خرج علينا مجددا "كمال
قليتشدار أوغلو" زعيم حزب "
الشعب الجمهوري" أكبر أحزاب المعارضة التركية، ليوجه اتهاماته لجهاز الاستخبارات التركي، في مشهد يوحي لنا بأن الرجل قد أصابه صداع نصفي يُسمى "
جهاز المخابرات".
وحينما بحثنا عن خلفية تلك الاتهامات، وجدنا أن زعيم المعارضة ما همّ لاتهام ذلك الجهاز إلا عندما بدأت الاستقالات تتوالى داخل حزبه الذي بدأت تعمه الفوضى. ولقد كان "قليتشدار أوغلو" مصراً على لصق تهمة الفوضى التي عمت حزبه، بجهاز الاستخبارات، على الرغم من تصريحات أدلى بها "رضا تُركمَن" نائب الحزب عن ولاية "إزمير"، والتي قال فيها إن "حزبنا تعمه الفوضى بما فيه الكفاية، فلا حاجة للاستخبارات لتقوم بذلك".
لم تكن هذه المرة الأولى التي يخرج علينا فيها، "قليتشدار أوغلو" بهذه الاتهامات المعادية لذلك الجهاز، بل سبق وأن قام بنفس الشيء حينما بدأ البرلمان التركي يناقش في وقت سابق قانون جهاز الاستخبارات، واتضح حينها أن المعارض التركي، كان يتحدث مدفوعاً من خلال ملف تم إعداده في بنسلفانيا – التي يقيم فيها رجل الدين التركي المعروف فتح الله كولن-.
لكن التوقيت هذه المرة وراءه مغزى كبير، لأنه يصادف الوقت الذي ستتناول فيه المحكمة الدستورية مشروع قانون جهاز الاستخبارات. لكن حب الفضول يملك على جوانحي، لأعرف أي جهة أعدت الملف الموجود معه الآن.
وأوجه له سؤالاً: سيد كمال، من أعطاكم الملف الموجود معكم؟ هل هو الشخص الموجود في بنسلفانيا؟ أم سيدته أمريكا؟
لكن أياً كانت الجهة التي أسدت لـ"قليتشدار أوغلو" الملف، فأنا أرى أنه لا يتعين أخذ مزاعم المعارض التركي على محمل الجد؛ بل يتعين أخذ جهاز الاستخبارات على محمل الجد بشكل أكبر. وإذا كان هناك من يعتقد أن جهاز الاستخبارات الرسمي لدولة ما سيقوم بمتابعة الحزب الذي يتزعم المعارضة بها، وسيقوم بعملية ما من خلاله، فالأولى بهذا الشخص أن يتخلص من هذا الهم والقلق. وإذا كان هناك مسؤول من ذلك الجهاز سيلتقي "قليتشدار أوغلو" ويطلب منه الملف الذي يشكل مصدرا لمزاعمه، فعليه أن يأخذ منه معلومات شفهية.
ولا يجب أن ننسى في هذا السياق، أن الاستخبارات التركية في عهد "حقان فيدان" هي التي تدير عملية السلام الداخلي، ولا تقوم بإعداد تقارير وملفات عن الأكراد كما كان في السابق. ولقد شهدنا بأعيننا أن المخابرات الحالية، مؤسسة كان لها دور كبير في تحرير الرهائن الأتراك الذين كانوا محتجزين في القنصلية التركية بمدينة الموصل العراقية. فالاستخبارات التركية، باتت تقوم بعمليات خارج الوطن، وذلك تحت قيادة "فيدان" الذي كان له بالغ الأثر في أن يكون لذلك الجهاز وجود في منطقة الشرق الأوسط.
لذلك، فإن أول عملية قام بها التنظيم الموازي في الـ7 من شباط/ فبراير 2012، كانت موجهة ضد "حقان فيدان". وكانت تلك المحاولة، مجرد إنذار بقدوم محاولتي17-25 كانون الأول/ ديسمبر الماضي؛ إذ إن الهدف الحقيقي للمحاولتين الأخيرتين، هو "رجب طيب أردوغان" وليس "فيدان". فكما تعلمون،
تركيا بلد عامر بثقافة الانقلابات، وكل محاولة انقلاب بها، تصبح درساً لمحاولات أخرى تالية. ومنذ الـ27 من أيار/مايو الماضي، سعى الانقلابيون للسيطرة على جهاز الاستخبارات والتغلب عليه.
وكان الكيان الموازي يرمي من خلال استهدافه لحقان فيدان في محاولة 7 شباط الانقلابية، إلى السيطرة على الجهاز، وقطع الاتصالات بـ"فيدان" نفسه، حتى لا يُحاط "أردوغان" خُبراً بالانقلاب.
ومما لا شك فيه أن هناك سببا سياسيا يقف وراء استهداف "قليتشدار أوغلو" للاستخبارات التركية مؤخرا؛ فلقد ضرب الزعيم العارض عصفورين بحجر واحدٍ من خلال ذلك:
1- لقد قام بحملة مضادة حتى يتخلص من الضغط الذي عاشه بسبب "درسيم"، ولقد نجح في هذا إلى حد ما.
2- وتمكن من التصدي للاستقالات التي تعرض لها الحزب؛ لأن من كانوا ينوون الاستقالة تراجعوا عن ذلك خشية أن تلتصق بهم تهمة التعاون مع الاستخبارات لضرب الحزب، كما يزعم "قليتشدار أوغلو".
وثمة سيناريو آخر في أنقرة حول الحملة التي يشنها "قليتشدار أوغلو" ضد الاستخبارات. فهذا "العقل العلوي" – في إشارة للمعارض التركي- الذي جلس على دفة الحزب بعد الإطاحة بسلفه "دنيز بايقال" بفضيحة الفيديو الجنسي، يهدف إلى تشكيل تحالف بين حزبه وحزب "الشعوب الديمقراطية" لخوض انتخابات 2015 المقبلة. ولعل الذي يعزز من هذا الطرح هو ذلك الأداء الذي قام به "صلاح الدين دميرطاش" أثناء الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وهو أداء يمكن قبوله من القطاعات القومية.
ومن المعروف للجميع أن حزب "الشعب الديمقراطي" بحاله الآني، لا يمكن أن يكون بديلا يمكن اللجوء إليه بدلا من حزب "
العدالة والتنمية". وبالتالي فإنه يتأكد لنا أن "العقل العلوي" يجهز هذه المرة لعقد تحالف مع "الشعوب الديمقراطية" لخوض الانتخابات البرلمانية في 2015. وهدفهم من ذلك هو عرقلة فوز الحزب الحاكم بالسلطة منفرداً، بل وعرقلة حصوله على الأغلبية في البرلمان التي تمكنه من تغيير الدستور.
لكن ثمة تقرير صدر عن أربع مؤسسات لسبر الآراء، أجرت استطلاعا للرأي خلال الشهر الحالي، أوضح أن "العدالة والتنمية" ما زال يحافظ على مكانته وتقدمه بنسبة تتراوح بين 47 و51 في المئة. لذلك فإن أنصار "الشعب الجمهوري" قلقون للغاية من أن يؤدي الانسجام بين الرئيس "أردوغان" ورئيس الوزراء "داود أوغلو" إلى إحداث نوع من التآزر الإضافي، وأن يحصل الحزب على الأغلبية التي تمكنه من تغيير الدستور، وقلقون أكثر من مسألة الانتقال إلى النظام الرئاسي الكامل، أو نصف الرئاسي. لذلك، فهم يريدون اللجوء إلى دعامة "الشعوب الديمقراطية" من أجل التصدي لكل هذه الأمور التي تقلقهم.
ولقد قدم "قليتشدار أوغلو" أطراف خيط هذا السيناريو الذي ذكرناه، وهو الإيحاء بأن "حزب الشعب الديمقراطي، سيكون حزبا للعلويين والأكراد". وتمت أول عملية في هذا الشأن في حزب "الشعوب الديمقراطي"؛ إذا إن القوميين الذين يقاومون التعاون مع حزب "الشعوب الديمقراطية" إما استقالوا، وإما قلت أنشطتهم. وبذلك يكون الحزب المعارض قد أعد الأرضية اللازمة لتنفيذ ما يريد.
لكن السؤال الآن: أين جهاز الاستخبارات من كل هذا؟ هذا السؤال يجب طرحه على "قليتشدار أوغلو" ليجيب عنه بنفسه. قبل أن أنسى، لا تتخيلوا أن يكون "فيدان" عائقا أما هذه العملية التي يخطط لها "الشعب الديمقراطي"، لمجرد أنه هو من يشرف على عملية السلام الداخلي... هنا أنقرة!
(عن صحيفة "يني شفق" التركية- ترجمة وتحرير "عربي21")