مقالات مختارة

أخطر من اجتثاث: مسؤولية الكرد والشيعة

1300x600
كتب سرمد الطائي: يحصل هذه الأيام شيء يمكن أن يتحول إلى ما هو أخطر من اجتثاث البعث وما رافقه من أخطاء. وإذا لم يجر تداركه من العقلاء فإن ويلات الحرب ستتسع بنحو يصعب علاجه. وأعني بذلك، الوضع في المدن المحررة.

وقد اعتاد ساسة كرد ومعتدلون شيعة، على الاعتراف بأن تسييس قرارات كثيرة مثل اجتثاث البعث والتعامل مع الاجهزة المنحلة، راكم غضبا واحتجاجا أصبحا في النهاية وقودا لنشاط داعش، تشعل به التمرد على الدولة. والجميع اليوم يتفقون مبدئيا على تصحيح العلاقة بين الأهالي والدولة، كجزء من متطلبات دحر داعش.

إن كل مجانين التاريخ، استغلوا ظلم السلطة وجورها، في تحفيز الناس على حمل السلاح، ثم صعدوا على اكتاف المحتجين، وسرقوا المطالب المشروعة، وحولوها إلى مجد شخصي مصنوع من دماء الضحايا، وخليفة داعش مجنون كبير أدرك الحكاية بذكاء وتهور.

إن الافا من الشبان العرب والأكراد، السنة والشيعة، يقاتلون بشجاعة اليوم لطرد داعش، ولتحرير الأهالي من سطوة هذا التنظيم الغاشم. وكما نتمنى من كل قلوبنا، إن تكون خططهم الميدانية متقنة، لتحد من خسارتنا للشباب الأبطال، وللمدنيين في مناطق النزاع، فإننا نتمنى أن يدرك الضباط والقادة، أن المعركة التي تتطلب الحذر لن تنتهي برفع العلم الوطني على المباني المحررة، بل ستبدأ اختبارات أكبر حين يلتقي جيش التحرير بالأهالي، ويبدأ الشك المتبادل فالجيش غاضب ويسأل الناس: من منكم تعاون مع داعش؟ والأهالي يسألون: هل سيعاملنا هؤلاء برحمة، أم إنهم سيقتلوننا ويعتقلوننا بالشك والتهمة، بعد أن قتلتنا داعش واستباحت حرماتنا؟

إن الأهالي يشتكون، وحتى الآن فانهم حذرون من تعميم اتهاماتهم، ويقولون إن بعض "المندسين" من القوة المحررة، يعتدون ويحرقون ويقتلون أحيانا. والأهالي يطلقون نداء استغاثة. وبالمناسبة وكما كتبت قبل أيام، فحتى الجيوش الرسمية في أرقى الدول، تعترف بأن جنودها يرتكبون أخطاء جسيمة، لأنهم بشر يتعرضون لضغوط رهيبة وغضب استثنائي وانفعال، ويمرون بلحظة ضعف. لكن الجيوش المحترمة تتمسك بالانضباط أكثر فاكثر، وتخضع المسيء لحساب عادل وشفاف.

بيد أن ما يحصل اليوم ليس انفعالا مجردا عند جندي، بل هو ارتياب عميق بين كتل سكانية، وأحزاب، وزعامات. وإذا استسلمنا لانفعالاتنا فسنسمح للجنود بأن يظهروا أشد القسوة، وهذا بالضبط ما تحلم به داعش. إنها تريد تحويل جيش الحكومة إلى"داعش رسمي"يناظرها في الأخلاق وقواعد العقاب والحساب. لكي لا تبقى حركة متشددة شاذة، بل مجرد جماعة غاضبة تتصرف مثل جيش
الحكومة ومسانديه، فتنعكس الآية، ونصبح نحن النموذج، لأن مسؤوليتنا التاريخية أكبر ولاشك.

ولا أسمح لنفسي وأنا أكتب في مكتبي الدافئ، أن أتمنى بترف، أن يضبط الناس أعصابهم، ويصبحوا ملائكة، ويتجردوا عن انفعالاتهم، لكن على القيادات أن تفكر ألف مرة بالعواقب التاريخية السيئة لأي انفلات غير مسيطر عليه، لا لأنه يوسع الشرخ القومي والطائفي المتحقق فعليا وحسب، بل لأنه سلوك ترصده أجهزة العالم من حولنا، وتقوم بدراسته وتوثيقه، ليؤثر على تصنيفنا وتعريفنا في هذا العالم المعقد، وهو ما سيحدد: هل نحن قوة مسؤولة تستحق الدعم والاسناد من العالم المتحضر، أم إننا مجموعة بدائية لا تتعلم السياسة، وتتبادل حرق الجثث وهدم المنازل والقتل خارج القانون، لتصبح المواجهة حينها، حرباً بين"داعشين"لا سمح الله.

إن أهالي المناطق المحررة من داعش، يمثلون اختبارا سياسيا رهيبا، سواء للقيادة الكردية أو الشيعية. وننتظر أن تتحول خبرة المشاكل التي تراكمت، إلى قواعد عمل دقيقة، تقلص شعور الناس بالخوف، وتمنحهم أملا بحلول عهد جديد، يحترم الإنسان بشكل أكبر.

إن العدالة والحذر والاحتياط في دماء الناس وممتلكاتهم، ليس ترفاً ولا مثالية حالمة. بل تشكل دليلا على وجود فرق بيننا وبين داعش، وهي التي تمنحنا مشروعية أمام أنفسنا، وأمام العالم. وإذا فشلنا في هذا، ففي وسعي إخباركم بأن داعش هو المنتصر، حتى لو علقتم رأس"الخليفة" على بوابات الرصافة.



 (صحيفة المدى العراقية)