خلص تقرير قانوني أعدته حملة "نامه شام" إلى أن
إيران تمثل دولة
احتلال في سوريا، وبالتالي فهي تتحمل المسؤولة كاملة عن الجرائم التي وقعت في
سورية وبالتالي ملاحقتها دوليا، معتبرا في الآن ذاته أن الحرب باتت تشكل حرب استنزف بالنسبة لإيران.
وتقول "نامه شام" إن تقريرها الذي يحمل العنوان "إيران في سوريا: من حليف للنظام إلى قوة احتلال"، يوضح "دور النظام الإيراني في الحرب المستمرة في سوريا بمختلف أشكاله"، وأمثلة ودراسات عن انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبتها في سوريا قوات وميليشيات يتحكم بها النظام الإيراني، بما في ذلك اغتيال "خلية الأزمة" في تموز/ يوليو 2012 حيث كان الضباط الذين قتلوا في التفجيرات يحاولون فتح خطوط مع دول خليجية وغربية، ومجزرة الغوطة الكيميائية قرب دمشق في آب/ أغسطس 2013.
وتعرف حملة "نامه شام" نفسها بأنها "مجموعة من الناشطين والصحفيين المواطنين الإيرانيين والسوريين واللبنانيين، تركز على كشف دور النظام الإيراني في سورية".
ويرى التقرير الذي استغرق نحو عام كامل لإعداده؛ إمكانية تحريك دعاوى قضائية ضد مسؤوليين إيرانيين، مثل الجنرال قاسم سليماني، قائد سباه قدس (فيلق القدس)، الذراع الخارجية لسباه باسداران (الحرس الثوري الإيراني).
وقال شيار يوسف، مسؤول فريق الأبحاث والاستشارات في (نامه شام)، إنه "توجد أدلة كافية لمحاكمة القيادة العسكرية والسياسية الإيرانية لتورطها في جرائم مختلفة ارتكبت في سوريا. ويمتد ذلك من التحريض على أفعال إجرمية وإرهابية معينة أو تبنيها والمصادقة عليها، إلى المساعدة في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية". وناشد يوسف "الحكومات الغربية والجهات الدولية المعنية، بما فيها الأمم المتحدة، بمعاينة هذا الدور الإيراني وفتح تحقيقات جدية بهذا الخصوص".
ويرى التقرير أن العلاقة بين النظامين السوري والإيراني قد تغيّرت على نحو جذري بسبب هذا التدخل الإيراني. فبعد أن كانا حليفين تاريخيين يتبادلان المصالح والخدمات، يشكّل النظام الإيراني اليوم عملياً قوة احتلال في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في سوريا.
ويقول يوسف: "لا يعدو النظام السوري اليوم أن يكون أكثر من لعبة في يد سباه باسداران.. قاسم سليماني هو الحاكم الفعلي لسورية المحتلة من قبل إيران".
ويقترح تقرير "نامه شام"، بناء على طروحات وأدلة قانونية، التعامل مع الحرب في سورية باعتبارها نزاعاً دولياً يتعلق باحتلال أجنبي من قبل النظام الإيراني وميليشياته ونضال تحرري من قبل الشعب السوري ضد هذا الاحتلال الأجنبي، وفقاً لاتفاقية لاهاي لعام 1907 واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.
ويرى يوسف أنه "يجب التعامل مع الحرب في سورية على أنها نزاع دولي يستدعي تطبيق اتفاقيات جنيف الأربعة.. ويجب اعتبار المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في سوريا أراضي محتلة من قبل إيران – بالمعنى القانوني الدقيق للكلمة".
ويقدر التقرير أن الدافع الأساسي وراء التدخل الإيراني الكبير في سورية هو مصلحة النظام الإيراني الاستراتيجية في الحفاظ على إمداد حزب الله في لبنان بشحنات أسلحة عبر سوريا، من أجل إبقاء حزب الله رادعاً قوياً ضد أي هجوم محتمل على برنامج إيران النووي العسكري.
وتوقع التقرير أن يستمر نفوذ النظام الإيراني في سورية حتى بعد سقوط نظام بشار الأسد، لأن هذا النفوذ – كما يرى التقرير – بات يُمارس الآن بشكل أساسي من خلال ميليشيات يدعمها ويتحكم بها النظام الإيراني وتقاتل في سورية بالنيابة عن النظام السوري، بما فيها حزب الله اللبناني وميليشيات عراقية شيعية مختلفة، وهذه الميليشيات يمكن أن يكون عمرها أطول من عمر نظام الأسد الذي لم يكن ليستمر دون دعم إيران المالي والعسكري.
ولعب سباه باسداران دوراً أساسياً في إنشاء وتدريب وتسليح ميليشا النظام السوري التي تُعرف بـ"بقوات الدفاع الوطني" أو (الشبيحة). وتم إنشاء هذه القوات على طراز قوات الباسيج الإيرانية وتجاربها في قمع الحركات الاحتجاجية في إيران، خاصة تظاهرات عام 2009 المناصرة للديمقراطية، والتي تُعرف بالحركة الخضراء. ويتحكم سباه باسداران اليوم بقوات الدفاع الوطني إلى حد كبير.
من جهته، قال مدير الحملات في "نامه شام" فؤاد حمدان إن "الولايات المتحدة وحلفاءها تتبع منذ البداية سياسة استنزاف بطيء لإيران وحزب الله في سورية. لكنها لا تريد لحد الآن أن تعترف علناً أن الحرب في سورية حرب بالوكالة ضد النظام الإيراني، لأنها تريد تجنب الضغط عليها لاتخاذ خطوات ملموسة لإنهاء حمام الدم في سوريا" حسب قوله.
وقال حمدان إن "الآمال الغربية بأن حرباً بالوكالة مع النظام الإيراني في سورية، بالتزامن مع عقوبات اقتصادية صارمة على إيران، قد تؤدي في النهاية إلى إضعاف النظام الإيراني أو حتى انهياره (أي الفوز بالحرب السورية في شوارع طهران) لا تعدو أن تكون أمنيات في أحسن الأحوال". وأضاف: “قد يكون صحيحاً أن سورية أصبحت "فيتنام إيران" وأن إيران "تنزف" في سوريا، لكن النظام الإيراني قد يكون قادراً على النزف لوقت طويل بعد، أطول بكثير مما يستطيع الشعب السوري واللبناني والعراقي تحمّله. الحقيقة المؤسفة هي أن النظام الإيراني مستعد للقتال حتى آخر علويّ سوري وآخر شيعيّ لبناني وعراقي من أجل الحصول على قنبلته النووية".
ودعا التقرير إلى "محاسبة النظام الإيراني على تورطه في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتُكبت وتُرتكب في سورية، وكذلك على الخروقات المتكررة لواجباته كقوة احتلال في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في سورية، بحسب
اتفاقية جنيف الرابعة". كما دعا إلى عدم رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران قبل سحب قواتها وميليشياتها من سورية، ووقف دعمها للنظام السوري.
ويقول التقرير إن طبيعة العلاقة بين النظامين السوري والإيراني قد تغيرت من كونهما "حليفين تاريخيين يتبادلان النفع والخدمات"، إلى أن يكون "النظام الإيراني اليوم عملياً سلطة احتلال في المناطق السورية التي يسيطر عليها النظام".
وينقسم التقرير إلى ثلاثة فصول، حيث يتتبع الفصل الأول من التقرير الدور العسكري للنظام الإيراني في الحرب الحالية في سوريا، مُظهراً كيف نما هذا الدور تدريجياً من تقديم دعم استراتيجي وتقني لقوات النظام السوري في مواجهة المظاهرات الشعبية العارمة إلى التحكم الكامل باستراتيجية النظام السوري العسكرية وقيادة جميع حملاته العسكرية الكبرى.
كما يشير التقرير في هذا الفصل إلى التحول في الاستراتيجية العسكرية مع ربيع عام 2013، حتى تم التركيز على تأمين دمشق ومحيطها عوضا عن العمل على استعادة المناطق الشرقية والشمالية التي فقدها النظام السوري، مع إسناد "الدور القيادي في هذه المعارك الرئيسية (..) إلى حزب الله والميليشيات الأخرى المدعومة من قبل النظام الإيراني، والتي يعتبرها الأخير أكثر تنظيماً وأكثر جدارة بالثقة من الجيش النظامي السوري".
ويعتبر التقرير أن جرائم مثل الهجمات الكيماوية تمثل أعمالا إرهابية، ودعا "إلى إضافة جميع المسؤولين والهيئات الإيرانية المتورطة إلى قوائم الإرهاب وفرض العقوبات المناسبة عليهم".
كما يتطرق التقرير إلى علاقة النظامين السوري والإيراني بتنظيمات مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، حيث يخلص "إلى أن كلا النظامين قد اخترق واستخدم وتعامل مع هذه المجموعات المرتبطة بتنظيم القاعدة من أجل حرف مسار الثورة السورية في اتجاه العسكرة والطائفية ومن أجل تبرير أعمالهما العسكرية ضد المتظاهرين والثوار".
ويناقش الفصل الثاني، من وجهة نظر قانونية، أن "الحرب في سورية نزاع دولي طرفاه الأساسيان احتلال أجنبي (من قبل النظام الإيراني) ونضال تحرري من قبل الشعب السوري ضد هذا الاحتلال الأجنبي"، بناء على اتفاقيات لاهاي لعام 1907 واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949. ويضيف: "في أسوأ الأحوال (..) أن تُعامل الحالة السورية على أنها ما يُدعى أحياناً احتلال مع وجود حكومة محلية في منصبها".
ويتحدث التقرير في هذا الصدد عن وجود قوات عسكرية إيرانية الذي يراه أمرا مثبتا الآن، ثم عن "تحديد الشخص أو الأشخاص من النظام السوري ودائرة الأسد الضيقة الذين ينسقون مع القادة العسكريين الإيرانيين، وإن كان تدخل هؤلاء الأخيرين في سوري قد تمخض عن أية تغييرات في بنى مؤسسات الدولة السورية وتراتبيتها الهرمية". ولذلك يبحث في في ضمّ واستبعاد مسؤوليين حكوميين وعسكريين سوريين بناء على رغبات وأوامر النظام الإيراني، ويشير في هذا الصدد على سبيل المثال إلى عملية اغتيال "خلية الأزمة"، التي قال إن "من ارتكبها كان سباه باسداران، بأوامر مباشرة من الجنرال قاسم سليماني نفسه في الغالب".
ويرى التقرير أن "الاعتراف بالحرب السورية كنزاع دولي يشارك فيه احتلال أجنبي وشعب يناضل من أجل تحرره قد يقدّم كذلك "سلاحاً قانونيا" قوياً ضد النظام الإيراني، ألا وهو أن هذا النظام يقترف "انتهاكات خطيرة" لاتفاقية جنيف الرابعة، والتي تُعتبر جرائم حرب أخطر من تلك التي عرض لها الفصل الأول من التقرير. ذلك أن على إيران، باعتبارها سلطة احتلال، "واجبات" معينة تجاه الشعب السوري الذي يرزح تحت احتلالها، وفقاً للقانون الدولي". وقال: "ثمة ما يكفي من الأدلة – وقد عُرض بعضها في هذا التقرير – لإثبات أن النظام الإيراني وقواته وميليشياته التي تقاتل في سورية قد انتهكت هذه الواجبات بشكل متكرر من آذار/مارس 2011"، مشيرا على سبيل المثال إلى تدمير الممتلكات العامة والخاصة في سورية "الذي لا تبرره الحرب (ضد مسلحي المعارضة) في الكثير من الحالات، يُعتبر انتهاكاً صريحاً ومتكرراً للمادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة. كذلك يُعتبر إخلاء قرى وأحياء كاملة من سكانها في حمص وغيرها من المدن السورية، وتقارير عن تسجيل هذا العقارات التي أجلي أصحابها بأسماء مناصرين للنظامين السوري والإيراني مُستقدمين من مناطق أخرى (بمن فيهم أجانب كالمقاتلين الأفغان)، تُعتبر انتهاكاً صريحاً ومتكرراً للمادة 49، وقد ترقى حتى للتطهير العرقي".
ويتناول الفصل الثالث التكاليف الاقتصادية والبشرية للحرب السورية على إيران، وأثرهما على الاقتصاد الإيراني وعامّة الإيرانيين. فـ"بالإضافة إلى تكاليف الأسلحة الإيرانية والمقاتلين الإيرانيين والميليشيات التي أرسلت إلى سورية، يركز المؤلفون بشكل خاص على القروض المالية وخطوط الائتمان الإيرانية (للنظام السوري)، والتي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات"، وخصوصا مع الأخذ بعين الاعتبار أثر العقوبات الدولية على إيران وتكاليف برنامج إيران النووي.
ويقول التقرير إن "أحد مؤشرات هذا العبء الهائل على الاقتصاد الإيراني هو معدل التضخم، الذي زاد أكثر من ثلاثة أضعاف بين عامي 2009 و2014، وزاد بمقدار 10 بالمئة منذ بدء الحرب في سوريا عام 2011. النتيجة أن ثلث الإيرانيين تقريباً (31 بالمئة) يعيشون تحت خط الفقر عام 2014". ويضيف: "في الوقت الذي تقطع فيه مساعدات الوقود عن مواطنيها، ما برحت إيران ترسل ملايين البراميل النفطية إلى سورية بأسعار مخفضة، ويدفع النظام السوري ثمنها من خلال خط ائتمان إيراني. وفي الوقت الذي تخفّض فيه من المساعدات الاجتماعية لقرابة 60 مليوناً من سكانها الفقراء، ما برحت إيران ترسل ملايين الأطنان من الغذاء والنقود إلى سوريا"، هذا علاوة على تصاعد أعداد القتلى في صفوف الوحدات الإيرانية التي تقاتل في سورية.
ويقول التقرير إن إيران تتكتم على أعداد قتلاها في سوريا "لأنها قد تُظهر مدى انخراطها في الحرب السورية. كما أنها قد تكشف مدى خسائرها، الأمر الذي قد يكون له أثر سلبي على معنويات مناصريها. إن إخفاء أدلة كهذه تكتيك حربي كلاسيكي يهدف إلى تجنب الضغط العام لـ"إعادة أولادنا إلى بيوتهم" قبل أن يموتوا هم أيضاً هناك".
ويلفت التقرير إلى أن هذه السياسة لن تغيير مع الرئيس حسن روحاني، لأن السياسة الخارجية بيد المرشد الأعلى علي خامنئي وسباه باسداران. ويقول: "إذا كان من الواضح أن النظام الإيراني قد اتخذ قراراً بالمضيّ في مغامرته السورية مهما كلّف الأمر، فإن "فيتنامه السورية" هذه ليست نتيجة لهذا الخيار وحده. بل هي أيضاً سياسة أمريكية وغربية مدروسة"، أطلق عليها التقرير وصف "الاستنزاف البطيء لإيران في سوريا"، لكن التقرير يحذر من أن "النظام الإيراني قد يكون قادراً على النزف لوقت طويل بعد، أطول كثيراً مما يستطيع الشعب السوري تحمله".