"عندما تسير في أزقة البلدة القديمة ستصاب بالاكتئاب، محلات تجارية خالية من الزبائن كما هو حال شوارع البلدة القديمة. كنا نعتمد كثيرا على شهر رمضان وقدوم المصلين من الضفة والداخل الفلسطيني إلى الأقصى. لكن، مع الموانع والقيود التي وضعها الاحتلال، والتضييق على المصلين، ازداد الوضع سواء".. بهذه الكلمات وصف المقدسي أحمد عابدين وضع
القدس الاقتصادي.
وقال إننا "نعاني من غلاء المعيشة والضرائب التي تلاحقنا. تخيل أن اليهود أكثر التزاما بمقاطعة المنتوجات الفلسطينية من مقاطعتنا لمنتوجاتهم، بل إنهم يرفضون تشغيل المقدسيين، كل ذلك لدفعنا للرحيل وترك القدس".
ويرى مدير المسجد الأقصى ناجح بكيرات أن هناك مخططا إسرائيليا في التضييق على المقدسيين.
وأوضح أن "المدينة تمر بحرب ممنهجة، ليست فقط حربا اجتماعية أو ديمغرافية، بل هي حرب اقتصادية أيضا. السلع الإسرائيلية تجري إلى الأسواق، بالتالي هي حرب على الاقتصاد الفلسطيني ومضاربات على المنتج الفلسطيني، كالبيض واللحوم. فهناك احتقار لهذه المنتوجات".
وقال بكيرات لـ"عربي21": "الاحتلال يفرض قيودا على الحركة التجارية في مدينة القدس وعلى التجار، وأكبر القيود هي المداخل وجدار الفصل العنصري، فالمدينة محاصرة اقتصاديا، وأيضا هي مدينة مغلقة، كما أن الاحتلال عمد إلى إخراج الكثافة السكانية، والسعي إلى
تهجير المقدسيين. والنقطة الخطيرة أيضا أن التاجر في مدينة القدس يتأثر تأثرا واضحا بإغلاقات المسجد الأقصى.. فحينما يغلق، يغلق معه التعليم والاقتصاد والحياة في المدينة".
إضافة إلى كل ذلك عمد الاحتلال، بحسب بكيرات، إلى "تحويل مسار التسوق من شكل اقتصادي إلى شكل غير طبيعي. بمعنى تحويل مسار التسوق من فوق المدينة، حيث أسواقها، إلى تحت الأرض.. هذا التسوق الذي كان يدخل من بوابات المدينة، كباب العمود ويسير إلى الأسواق المعتادة. فإسرائيل فتحت أسواقا جديدة تحت الأرض، ومسارات جديدة من خلالها حتى تمنع أي تسوق عربي".
ولم يكتف الاحتلال بذلك، بل عمد إلى تشويه صورة التاجر المقدسي أمام السياح لثنيهم عن الشراء منه، وفق تعبير بكيرات؛ وأضاف أنه "ما إن ينزل السائح حتى يقال له إياك أن تشتري من العرب لأنهم يستغلونك، وهذه رواية خطيرة يتم تزويدها لكل سائح بمجرد أن ينزل إلى أسواق القدس".
ونوه مدير المسجد الأقصى، إلى عدم وجود مواقف وأماكن للتنزيل والتحميل، ما يشكل عقبة أولى أمام التجار، إضافة لمحاولة فرض
ضرائب عدة ومداهمات على التجار في مدينة القدس، سواء ضريبة الدخل أم غيرها، مؤكدا أن هناك نحو عشر ضرائب تفرض على التجار في مدينة القدس.
وأكد النائب في المجلس التشريعي عن محافظة القدس أحمد عطون، ما قاله بكيرات.
وأضاف لـ"عربي21" أن "سياسة الاحتلال تبنى على تهجير المقدسيين بكافة الوسائل، والجزء الأهم أن مدينة القدس تعيش أعلى نسبة بطالة، فأكثر من 60 بالمئة من المقدسيين يعيشون بطالة وأكثر من 40 بالمئة دون خط الفقر".
وقال إن الاحتلال يثقل كاهل المقدسيين بالضرائب، و"نسبة الضرائب الباهظة جدا التي تفرض على المقدسيين من أصحاب المحلات التجارية والمواطنين العاديين وعلى البيوت السكنية وما تسمى بضريبة الدخل وضريبة الأرنونا والمعيشة.. هناك كم هائل من الضرائب على المواطن المقدسي، وهذا له رسالة واضحة، أن المواطن المقدسي لا يستطيع العيش في مثل هذه الظروف، ضريبة دخل كبيرة ونسبة بطالة عالية.. عدا عن الغرامات الباهظة، فالإنسان العادي لا يستطيع أن يفي بهذه الالتزامات وبالتالي فهو يهاجر إلى خارج القدس. وخلال السنوات السابقة لاحظنا هجرة السكان المقدسيين إلى خلف الجدار، وهذا ما يريده الاحتلال لتفريغ المدينة من سكانها".
وتأثرت بدورها السياحة في القدس بفعل الضغوط الإسرائيلية. وأوضح عطون أن "هناك ضغطا اقتصاديا مهولا جدا، لدرجة أن السياحة التي كانت تتجه للقدس وتمر منها تم تغيير مساراتها، ما اضطر الكثير من الناس لإغلاق محالهم. هذه هي القدس التي كانت المدينة الكبرى من حيث الحراك الاقتصادي فيها، ولكن الآن هي شبه خالية بسبب المضايقات الاقتصادية".
وأشار إلى أن هذه الممارسات الإسرائيلية أثبتت جدواها. وانتقد عطون هجرة المؤسسات الرسمية الفلسطينية من القدس إلى رام الله أو خلف الجدار العنصري، ما أدى إلى تفاقم هذه الحالة والضغط على المواطن المقدسي، وفق تعبيره.
وطالب عطون القيادة الفلسطينية، بالعمل على "تعزيز صمود المقدسي من خلال توفير الدعم المادي وخلق فرص عمل، سواء كانت تشغيلا شخصيا أم مشاريع صغيرة، وبناء مؤسسات داخل القدس، وبناء إسكانات وتشجيع الفئات الشابة للإقامة في القدس".
ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور نائل موسى، أن أهم أشكال الضغط الاقتصادي الذي تتعرض له مدينة القدس، هو ضريبة "الأرنونا، وهي ضريبة مرتفعة جدا تفرض على المساكن الموجودة في القدس وعلى السكان الموجودين في القدس.. الأمر الثاني هو التمييز في التشغيل في مؤسسات القدس تجاه مواطني القدس، فهم يعانون بشكل عام من التمييز في التشغيل، إلى جانب التضيق على السكان من حيث فتح المحال التجارية وممارسة أعمالهم الاقتصادية".
والجانب الآخر والأكبر المؤثر تأثيرا، بحسب موسى، هو إغلاق القدس، فمعظم السلع والخدمات الموجودة في القدس معظمها إسرائيلي ولا يسمح في كثير من الأحيان بدخول المنتجات الفلسطينية نظرا لعدة أسباب، منها أسباب أمنية، وأسباب الجودة والمقايس الإسرائيلية.. وبالتالي حرم سكان القدس من الحصول على السلع الرخيصة نوعا ما.
ونبه موسى في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن المخطط الاقتصادي جاء بالتوازي مع مخطط سياسي من أجل تهجير السكان، مؤكدا أن أوضاع القدس في كل عام تزداد سوءا، بما في ذلك وضعها الاقتصادي.