نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا لوزير الخارجية التركي مولود شاوش أوغلو، قال فيه إن
تركيا لا تستطيع أن تستمر في التصرف وكأنها الأمم المتحدة، وإن من الضروري أن يكون هناك تحرك دولي لمعالجة الأزمة في
سوريا وفي العراق، وهذا نصه:
إن معاناة البلدة الصغيرة المسماة
كوباني، أصبحت محط أنظار العالم وسط الدمار والبؤس في سوريا. ومع كل يوم يقترب رعب "
داعش" يزداد القلق.
علينا أن نتذكر هنا أن كوباني لم تكن الهدف الأول لـ "داعش"، حيث قامت هذه المجموعة المتطرفة باحتلال أراض من اعزاز في سوريا إلى كركوك في العراق، وكما طردوا الأكراد من كوباني طردوا التركمان منها على الحدود التركية، والعرب من الرقة ودير الزور والموصل، واليزيديين من سنجار، والمسيحيين من حلب، وقصص الرعب هناك أيضا لا تقل بشاعة.
وبحدود تمتد على مدى 1295 كيلومترا مع سوريا والعراق، فإن تركيا تشعر بالخطر الحقيقي أكثر من أي بلد آخر. وأن نرى خطر التطرف ينتهي من المنطقة أمر مهم جدا للأمن القومي التركي. ونحن مستعدون وقادرون وراغبون أن نقوم بدورنا لتحقيق هذا الهدف، فنحن نعرف جيدا ثمن الإرهاب، وستبقى تركيا في طليعة محاربة الإرهاب، بما في ذلك هذا الخطر الجديد.
لقد فتحنا حدودنا واستقبلنا كل من أتى من كوباني راغبا في اللجوء إلى تركيا. لقد أمددنا كوباني بكل المساعدات الإنسانية الممكنة. وقد تصرفنا بالتعاون الكامل مع التحالف الدولي ضد "داعش"، كما أننا يسرنا الطريق لقوات البشمركة لدخول كوباني، وسنبقى نقدم ما نستطيع لإنقاذ البلدة؛ كي يستطيع أهلها العودة إلى بيوتهم.
أما فيما بعد كوباني فأي فعل يحتاج إلى استراتيجية واضحة وهدف محدد، وعلى الجميع أن يكونوا مستعدين للقيام بأدوارهم، وألا يترك أحد لتحمل التبعات وحده. إن "داعش" هي نتاج شر كبير، وليس عدم الاستقرار الذي وفرّ بيئة خصبة هو المسؤول فقط، بل إن الدعم الكبير الذي قدمه النظام في سوريا ساعد في الجماعات الإرهابية على النمو.
وكان النظام السوري هو الراعي لـ "داعش"، أملا بأن يقوم الأخير بالقضاء على المعارضة السورية، ومعها المطالب المشروعة للشعب السوري، ولكن كانت نتائج خطة بشار
الأسد عكسية، حيث خرج "داعش" عن السيطرة، وذلك بعد أن استولى على مساحات كبيرة من العراق وكميات من الأسلحة.
وفي كوباني مات حوالي 400 شخص على مدى الثلاثة أسابيع الماضية، وفي سوريا مات أكثر من 200 ألف شخص، منذ أن قرر النظام أن يعلن الحرب على شعبه قبل ثلاثة أعوام. ولم يتورع النظام عن استخدام المدفعية الثقيلة ضد الأحياء المدنية ولا أن يستخدم صواريخ باليستية. وأصبحت الغارات الجوية والبراميل المتفجرة روتينا يوميا. واستخدم النظام حتى الأسلحة الكيماوية.
وإن بقي هذا النظام فلن تشهد سوريا استقرارا ولا أمنا، وسيستمر العنف، وبالذات الإرهاب، بالتنامي، ولن يتردد النظام في استخدام أي أسلوب للبقاء في الحكم، ولذلك تجب معالجة السبب الرئيسي.
وهناك حاجة لاتخاذ إجراءات حازمة وشاملة، بما في ذلك تطبيق نطاق منع جوي، وإيجاد مناطق آمنة في سوريا لحماية مواطنيها، ودون هذا سيكون القيام بأي عملية غير كاف للتخلص من التهديدات الحالية.
وللأسف لم تلق تحذيراتنا السابقة للنتائج في العراق وسوريا آذانا صاغية. ففي سوريا يجب أن يفهم النظام أنه لا يوجد حل عسكري للمشكلة، وأن عليه أن يدخل في مفاوضات جادة؛ لتحقيق تحول سياسي حقيقي وغير إقصائي يؤدي إلى تحول سياسي حقيقي كما يصوره مؤتمر جنيف عام 2011.
وفي العراق يجب أن يكون الهدف هو عدم تكرار أخطاء الحكومة السابقة، فـ "داعش" تمكنت من الانتشار السريع بسبب الأجواء التي خلقتها السياسات الظالمة والطائفية على مدى العقد الماضي. والآن ومع استلام الإدارة الجديدة لدينا فرصة لإنهاء الطائفية وسبب للتفاؤل.
وفي الوقت نفسه ستبقى تركيا تساعد الشعبين العراقي والسوري بشكل لم يسبق له مثيل، فعدد السوريين الذين وصلوا إلى تركيا من كل الإثنيات والأديان والذين وجدوا لهم ملجأ في تركيا، يستمر في الارتفاع، وهو يقارب الآن المليوني شخص، وفي الأسبوعين الماضيين وحدهما وصل العدد إلى حوالي 200 ألف سوري من كوباني.
وهناك تقدير لهذا العبء على تركيا، ولكنه لا يتجاوز الكلمات إلى الأفعال، فقد وصلت التكلفة إلى الآن إلى 4 مليارات دولار، ولا تستطيع تركيا أن تبقى تتصرف وكأنها الأمم المتحدة، ولذلك فهناك حاجة لمسؤولية مشتركة لمعالجة المأساة السورية، بما في ذلك فرض منطقة حظر للطيران، والتي أصبحت أمرا ملحا.
وهذا تحد مهم يواجه العالم بأسره، فيجب أن تنتهي حالة اللامبلاة القاسية، ويجب أن نتعامل مباشرة مع ما يهدد الأمن والسلم العالميين، الذي تشكله سوريا والعراق، وعلى العالم ألا يسمح لسوريا أن تجعل من القانون الدولي مهزلة.
يمكن صناعة تاريخ جديد، والحق يستطيع أن ينتصر دائما على الباطل، ونحتاج فقط لأن نساعده قليلا.