كتب
سرمد الطائي: لست ممن يستعجلون الحكم على أداء مجلس وزرائنا ورئيسه، بل أنا ممن يعلقون آمالا مبنية على سنتين من بلورة خطوات الإصلاح والسجال حولها. لكن ما لا أتردد في قوله، هو اننا نسير ببطء، بينما تتحرك الأرض تحت أقدامنا بسرعة.
ولست ممن يعتقد بإمكانية أن نندحر، فهناك إرادة كافية محليا ودوليا لكي نقاوم، لكن صمودنا لا ينفي أننا نتجرع مرارات رهيبة، سواء في مشهد الجثث المحترقة داخل اطواق الديناميت في المدن، أو مشهد مئتي ألف هيتاوي وهم يهيمون على وجوههم في طرق الصحراء اتقاء لويلات الحرب، أو مئات آلاف النازحين الذين يستقبلون الشتاء بلا مأوى، في خزي جماعي نعيشه كعراقيين.
ولسنا نعدم الأخبار نصف السعيدة، فهناك عجلة تدور ولا شك، وحد أدنى من التناغم، وأبرز أمثلة ذلك هو تحقيق تقدم في وضع مسودة النظام الداخلي لرئاسة
الوزراء، والتي ستقوم لأول مرة، كما أوضح النائب السابق الذكي امير الكناني يوم امس، بتعريف قواعد اللعبة داخل الحكومة وفي غرف صناعة القرار، حيث سيجري تحديد دقيق لطريقة اتخاذ قرارات السلم والحرب، وملف الأمن، والإجراءات الاستراتيجية في التنمية والاقتصاد، ورغم أن بعض نواب دولة القانون يعبرون عن مخاوفهم من"ضياع السلطة"نتيجة هذا النظام، إلا أن أغلبية المعنيين يدركون أن حماية السلطة من الانهيار تبدأ بالاصلاح القانوني والإداري، ومن قلب دار الحكم، وببناء أصول الشراكة التضامنية. وهذا سيكون من أبرز اختبارات جناح المطالبين بالإصلاح.
إلا أن رموز الفريق المطالب بالإصلاح، لايزالون كما يبدو خارج فريق رئيس حكومتنا. ونحن أساسا لم نتعرف على فريق
العبادي بعد، لكن وعلى سبيل المثال، فإن إصراره على مرشح للداخلية سبق أن رفضه الشركاء، هو خطوة بحاجة الى تفسير ومراجعة وتطرح الكثير من الأسئلة حول حجم التوافق الممكن في أشد اللحظات حراجة.
حقاً من هو فريق العمل المحيط برئيس الوزراء؟ لا أحد يعلم حتى هذه اللحظة بشكل واضح. لكن الشيء الوحيد الذي نعلمه هو أن أبرز عقلاء البلاد لم يصبحوا مقربين عليه حتى الآن، أو إننا لم نلمس ذلك، بينما الشعب بحاجة إلى ان يشعر بأن ما تبقى من الحكمة والتعقل، موجود على شكل رجال منخرطين في خلية ازمة لا تهدأ، يظهرون معا في وسائل الإعلام، يتواصلون جيدا مع صانعي الرأي العام، ويقدمون توضيحات مدروسة ومتواصلة، ويحشدون كل الأطراف الوطنية على جبهتين: تخفيف الخراب الذي خلفته سنوات التيه السياسي داخليا واقليميا، وضبط مواجهتنا مع اجرام داعش.
لقد مر شهر دون أن نلمس تطمينات كافية بهذا الشأن. وحتى ذلك الحين سيتعامل معنا الداعشيون، لا كنظام سياسي يتماسك، بل كملل ونحل وطوائف مفككة ومنقسمة، وسينظر إلينا التحالف الدولي، كطرف لم يجتز الاختبار حتى مبدئيا، ويتردد في القيام بما يكفي للمساعدة، وهذا ما كان واضحا في خطاب أوباما فجر الأربعاء.
المؤشرات السلبية الأخرى هي أن بغداد عجزت حتى الآن، عن القيام بخطوة كبيرة تجاه المقاتلين السنة الذين يريدون ضرب داعش، وعجزت عن صرف ولو مرتب شهر واحد للمواطنين في كردستان، الذين لم يتسلموا فلساً من بغداد منذ مطلع السنة، وهذا شيء لا يمكن لانصار التسوية والتصالح ان يتفهموه، خاصة وان اربيل بادرت للموافقة على تصدير نحو 200 الف برميل نفط عبر شركة سومو الوطنية فورا، مع مطالبة باعادة هيكلة مجلس إدارتها لاحقا، وهذا مطلب تنادي به البصرة كذلك تطبيقا لنص دستوري يضع ممثلين للمحافظات المنتجة للبترول في هذه الشركة الحساسة، الأمر الذي رفضه الشهرستاني طوال ثمانية أعوام، واغضب البصريين قبل الكردستانيين.
إن حكومة العبادي فرصة لا نمتلك غيرها في تسارع الأحداث وسيول من دماء الشهداء ودموع النازحين وشماتة الخصوم. لكننا بحاجة إلى رؤية فريق متماسك حول العبادي، يبتكر صناعة الأمل الواقعي، وأخبارنا بما يجري، ونسج خيوط الثقة مع الدنيا من حولنا.
(المدى
العراقية)