كتاب عربي 21

التعايش الحذر بين الحرب والسلام بالعاصمة اليمنية

1300x600
حتى مساء أمس السبت، وخيار الحرب ومظاهره هي التي تسود في الجزء الشمالي من العاصمة اليمنية صنعاء، حيث انتهت مهلة الـ12 ساعة الرئاسية التي منحها الرئيس اليمني للجماعة الحوثية المسلحة للتوقيع على الاتفاق الذي كان قد عاد مبعوث أمين عام الأمم المتحدة إلى اليمن، السيد جمال بنعمر، بمسودته النهائية من صعدة حيث يتواجد زعيم الجماعة الحوثية المسلحة.

وخلال المهلة الرئاسية شهد القسم الشمالي من العاصمة اليمنية، أعنف المواجهات والقصف بين
الجيش اليمني والمليشيا الحوثية المسلحة، التي يساندها عسكريون محترفون من الموالين للرئيس السابق، وفقاً لمصادر قريبة من قيادة الجيش.

 وكان أهم تطور في هذه المواجهات هو تمكن مسلحي الجماعة الحوثية من السيطرة على مبنى التلفزيون الحكومي إثر انسحاب الحامية العسكرية للمبنى الواقع على تل مرتفع بشمال العاصمة، بسبب عدم وصول التعزيزات العسكرية، ما يعزز من الاعتقاد بالطبيعة الانقلابية لتحركات الحوثيين وحلفائهم من أنصار الرئيس السابق، وفقاً لما أكد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، علماً بأن التلفزيون عاود البث بعد ساعة من توقفه، من موقع آخر في العاصمة.

ومنذ أن قررت الجماعة الحوثية المسلحة، بدء احتجاجاتها، تحت لافتة المطالبة بإسقاط قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية الذي يُعرف هنا بـ "الجرعة"، وملامح خيار العنف والمواجهة المسلحة هي الطاغية على طبيعة الاحتجاجات التي نفذها أتباع الجماعة المسلحة بمساندة واسعة من أنصار الرئيس السابق في العاصمة والمناطق المحيطة بها.

بدا ذلك واضحاً في تواجد عسكريين من الجيش والأمن ضمن المعتصمين، واحتشاد المسلحين في
أماكن الاعتصامات بالعاصمة، فيما أخذت المخيمات التي أقيمت عند مداخل صنعاء طابع التجمعات المسلحة الخالصة، وبدا ذلك أيضاً، في الطبيعة التحريضية على العنف التي امتلأت بها خطابات زعيم الجماعة المسلحة، عبد الملك الحوثي، والرسائل التي تبثها الوسائل الإعلامية التابعة للجماعة.

وكان الحوثيون وحلفاؤهم قد بالغوا في تقييم طبيعة الاحتجاجات التي يقومون بها والتي صعدوها إلى مستوى "ثورة"، ورفعوا سقف أهدافها إلى مستوى إسقاط الحكومة والنظام الانتقالي، وإحلال صيغة تسوية جديدة، وهي أهداف ألهمتهم بها الخبرات الإيرانية، التي يبدو أنها تدفع بالجماعة الحوثية الموالية لها إلى إسقاط صنعاء، ونظامها الانتقالي، وليس الحكومة فقط، بكل الوسائل المتاحة ودونما التفات إلى أنين الضحايا وصرخات الثكالى، وتنديدات المجتمع الدولي. إنها الاستراتيجية التي تنفذ من قبل النظام الأسدي في دمشق، ضد الشعب السوري خلال السنوات الثلاث الماضية.

قرار إسقاط صنعاء، يبدو أنه أصبح الخيار الأول لدى الجماعة الحوثية المسلحة، وسط توقعات دبلوماسيين أجانب بأن مهمة كهذه لن تستغرق أكثر من خمس ساعات. ولهجومهم المباغت الذي شنوه قبل ثلاثة أيام، حرص الحوثيون على اختيار أهدافٍ مدنيةٍ وعسكرية، محسوبة تقليدياً على خصومهم الأيديولوجيين، في التجمع اليمني للإصلاح، وقوى وشخصيات، ساندت ثورة الـ11 من فبراير، ضد الرئيس السابق.

وأملوا من خلال ذلك أن يتركوا انطباعاً، بأنهم يقومون بمهمتهم تلك في إطار صراع تقليدي مع خصوم  أيديولوجيين، وبأنهم لا يستهدفون الرئيس أو النظام الانتقالي والتسوية السياسية التي يرعاها المجتمع الدولي. 

وما حدث أن الرئيس اليمني، تصرف هذه المرة بما خالف توقعات الحوثيين وحلفائهم، حيث قام في اليوم الأول لعدوان المليشيا الحوثية على الأطراف الشمالية الغربية للعاصمة، بزيارة إلى مقر القيادة العسكرية السادسة التي تتولى مهمة حماية صنعاء، وكلف مستشاره للشئون العسكرية والأمنية، اللواء علي محسن، بقيادة العمليات العسكرية، وهو ما يعني تحييد قائد المنطقة الذي تم تعيينه قبل شهرين، اللواء محمد الحاوري، الذي يعتبر مصيره غامضاً حتى هذه اللحظة، خصوصاً بعد اتهامه بإصدار أوامر للنقاط العسكرية والأمنية في الحي الشمالي الغربي المعروف بحي شملان، بالانسحاب، مما سهل تقدم المليشيات المسلحة باتجاه جامعة الإيمان، ومقر القيادة العسكرية السادسة، هدفين رئيسيين يريدون إسقاطها.

التحركات الميدانية للرئيس أسفرت عن دخول الجيش ممثلاً بالمنطقة العسكرية السادسة على خط المواجهة، الأمر الذي ساهم في تعقيد المهمة الانقلابية للحوثيين وحلفائهم.

الثقة بالحسم العسكري السريع في صنعاء، هو التفسير الوحيد لتأخر زعيم الجماع الحوثية في حسم الاتفاق مع الموفدين الرئاسيين: مدير مكتب الرئاسة ورئيس الجهاز المركزي للأمن السياسي، الدكتور أحمد عوض بن مبارك، واللواء جلال الرويشان، بمعية السيد جمال بنعمر، الذين زاروه في صعده، وتعمده رفض  التوقيع على الاتفاق، والاكتفاء بتفويض ممثلين عنه للتوقيع في صنعاء وليس في صعدة، وهو السلوك الذي فُهم على أنه محاولة واضحة لكسب الوقت، ليس إلا.

 المبعوث الأممي إلى اليمن، جمال بنعمر أعلن مساء السبت عن التوصل إلى اتفاق أكد أنه سيتم  التوقيع عليه هذا اليوم بين الحكومة اليمنية وممثلين عن الحوثيين. 

التوقعات الأكثر تشاؤماً هي التي تسود النخب والشارع السياسي اليمني والمواطنين العاديين في
صنعاء، بشأن مآلات الوضع الذي تعيشه العاصمة، في ضوء التطورات الدراماتيكية التي تشهدها العاصمة اليمنية، ويظهرون قدراً من الشك حيال قدرة الاتفاق الذي سيتم التوقيع عليه، في تأمين سلام طويل الأمد يعيد للتسوية السياسية حيويتها في البلاد، بالنظر إلى التعقيدات الهائلة في المشهد السياسي والقبلي والعسكري.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع