حول العالم

مسيحيون لبنانيون يصومون رمضان محبة وتعايشا

هناك دائما إمكانية للتعايش بين الطوائف في الوطن الواحد - أرشيفية
قررت كريستين صليبي خوض تجربة صيام شهر رمضان هذه السنة لأول مرة، على الرغم من طول ساعات الصيام التي تزيد على الـ 16 ساعة وحرارة الطقس الذي يزيد من متاعب هذه الفريضة الإسلامية.

صليبي، وهي مسيحية لبنانية تبلغ من العمر 29 عاما، صمدت 13 يوما، فيما حاول إلياس أيضا -وهو مسيحي- خوض التجربة نفسها، لكنه لم يقو على الصيام إلا لبضع ساعات بسبب غلبة العطش عليه.

وانضم الاثنان هذا العام لمسيحيين آخرين اعتادوا مشاركة المسلمين الصيام في شهر رمضان، كل لسبب خاص به مع اتفاقهم على أنها تعكس "نموذج التعايش" في لبنان الذي يبقى هو الرد على تصاعد العنف الديني في المنطقة وضرورة نبذه.

وقالت صليبي، التي تسكن في منطقة المتن المسيحية شمال بيروت، إنها صامت عدة أيام من شهر رمضان الحالي كـ"تجربة أولى.. لتذوق شعور الصيام مع المسلمين خاصة في هذا الجو الحار".

وأوضحت أن صيامها هذا مع المسلمين بدا غريبا بالنسبة لعائلتها التي لم تمانع هذه الخطوة على اعتبار أنها "تجربة تقوي التواصل الاجتماعي مع المسلمين في لبنان" الذي يضم 18 طائفة.

وتمنت أن يكون التعايش الإسلامي المسيحي في لبنان "نموذجا لبقية دول المنطقة التي تشهد اليوم صراعات طائفية ومذهبية وتشددا دينيا معوجا".

ودعت صليبي إلى الكف عن ممارسة العنف بين أبناء منطقة الشرق الأوسط "والعيش معا بسلام... فهذا أفضل للجميع وهذا هو التطبيق الصحيح للدين الإسلامي والدين المسيحي".

وشددت أن صيامها كمسيحية في شهر رمضان وفي ظل الأوضاع الطائفية المتأزمة في المنطقة "يؤكد أنه لا فرق بين مسلم ومسيحي بالمواطنة"، مضيفة أنها "دعوة للمسلمين من أجل التلاقي".

وأوضحت أنها صامت 13 يوما من شهر رمضان الجاري "صياما إسلاميا كاملا من الفجر حتى غروب الشمس"، وعلى الرغم من أنها شعرت "ببعض التعب والإرهاق خلال غالبية هذه الأيام" إلا أن صيامها هذا جعلها تشعر "بسعادة كبيرة" وتعيش "أجواء مميزة وبارتياح نفسي كبير".

وتتمنى صليبي أن تتمكن من صيام رمضان المقبل كاملا.

ويشعر الكثير من المسيحيين في الشرق وبقية الأقليات الدينية وحتى المسلمون المعتدلون بالخوف من تعاظم قوة "التنظيمات التكفيرية"، خاصة بعد تمدد تنظيم "الدولة الإسلامية" في الأراضي السورية والعراقية وإجبار مسيحيي الموصل في العراق على مغادرة مدينتهم دون ممتلكاتهم، باعتبارها "غنائم" أو الاختيار بين اعتناق الإسلام وإعطائهم عهد الذمة (أي دفع الجزية مقابل الأمان).

ولاقت تلك الخطوة التي اتخذتها "الدولة الإسلامية" إدانات دولية ومحلية واسعة من منظمات وشخصيات وأحزاب وأطراف سياسية، وهي المرة الأولى في تاريخ العراق التي يتمّ فيها إفراغ المسيحيين من مدينة الموصل.

وبنقيض الصورة التي يحاول أن يفرضها تنظيم "الدولة الإسلامية"، يعطي إيلي وزوجته رولا نموذجا عن مدى التسامح الذي يجب أن يسود في هذه البقعة المضطربة من العالم.

ومع أن هذين الزوجين اللبنانيين المسيحيين الأرثوذكسيين رفضا الظهور على الكاميرا "بسبب مخاوف عائلية وسياسية"، لفت إيلي إلى أنه يصوم عدة أيام من شهر رمضان للعام الرابع على التوالي "بكل سرور".

وقال: "أنا أصوم بعضا من شهر رمضان بالرغم من كوني مسيحيا، لأنني أعتبر أن هذا تمسكا بدين سماوي أيضا.. ولا مشكلة في ذلك"، مضيفا أن هذا الصيام "رسالة محبة واعتراف بالآخر ودعوة للتعايش معا خاصة في هذا الزمن الصعب".

ولم يخف أن صيامه لفترة من شهر رمضان له أهداف صحية، وقال إن هناك فوائد صحية للامتناع عن الطعام والشراب "وفق الشريعة الإسلامية"، مضيفا: "فعلا أشعر بشيء من النشاط المتجدد بعد فترة الصيام هذه".

ومع أن إيلي يبدو متصالحا مع نفسه، إلا أنه لا يخبر إلا المقربين جدا منه بشأن صيامه وزوجته "خوفا من بعض المسيحيين المعترضين أو من بعض المواقف المزعجة من هنا وهناك.. نحن بغنى عنها".

وأيدت رولا زوجها في ما يخص الصيام في رمضان، مشيرة إلى أنها تصوم معه أيضا "بكل رحابة صدر.. وهي تجربة جميلة"، متمنية أن تكون مثل هذه الحالات الفردية في مشاركة المسلمين لشعائرهم الدينية "مبعث أمل لمزيد من السلام والعيش بأمان في المنطقة".

أما إلياس، الذي رفض ذكر اسمه الكامل، فيبدو أنه حاول أن يعيش تجربة كل من صليبي وإيلي ورولا بالصيام خلال شهر رمضان إلا أنه لم يفلح مع أول يوم بدأه.

إلياس قال، إنه حاول أن يشارك بالصيام هذا العام، وامتنع عن الطعام والشراب في اليوم الأول من رمضان، "ولكنني مع تقدم ساعات النهار لم أستطع أن أتابع صيامي لشدة العطش والحر.. فاضطررت لشرب الماء".

ولفت إلى أن هذه التجربة "كانت شاقة عليه"، مشيرا إلى أنه لم يكرر التجربة في اليوم التالي "على أمل أن أصوم عندما يحل رمضان في فصل الشتاء".

وأوضح أن سبب نيته الصيام في رمضان مع المسلمين "مشاركة أصدقائي المسلمين ورسالة حب لهم".

وتمثل مثل هذه المبادرات من لبنانيين مسيحيين الكثير من المحبة، وتؤكد الطوق للسلام والعيش باطمئنان في ظل تصاعد التشدد الطائفي والمذهبي في منطقة الشرق الأوسط.

هذا ما رآه محمد سلامة، وهو لبناني مسلم، أشاد بالمسيحيين الذين يشاركون المسلمين بصيام رمضان في سبيل التعايش والوحدة الوطنية في لبنان "علها تنتقل إلى بقية الدول".

ودعا سلامة لنبذ التعصب الأعمى "وحمل الدين بالمقلوب" والعيش مسلمين ومسيحيين بأمن وسلام "كما أمرنا الإسلام وحثت المسيحية عليه"، منتقدا الأحداث الطائفية "البغيضة التي حصلت ضد المسيحيين في العراق وغيره".