كتب أوّاب المصري: المقاومة الفلسطينية اعتادت على إهمال إنجازاتها ومحاولة التقليل من نجاحاتها من جانب من يُطلق عليهم اسم "محور الاعتدال".
الجديد هذه المرة، هو أن الإهمال واللامبالاة وصلت عدواه إلى من يُطلق عليهم اسم "محور
الممانعة"، الذي أقنعنا أنه يحمل راية المقاومة وتحرير فلسطين، ولا يكلّ من الهتاف "حرباً حرباً حتى النصر زحفاً زحفاً نحو القدس". هذا المحور، الذي صمّ آذاننا بأنه لن يهدأ له بال حتى يدحر الاحتلال عن فلسطين، وأن بندقيته كانت وستبقى موجهة إلى "الاحتلال
الإسرائيلي"، وأن كل ما يقوم به يصبّ في خدمة فلسطين، وفي سبيل ذلك استباح لنفسه ارتكاب كل شيء.
المقاومة الفلسطينية حققت خلال تصديها للعدوان الذي شنّته إسرائيل على قطاع
غزة خلال الأيام الماضية إنجازات نوعية. فحسب ما تناقلته وسائل الإعلام، صافرات الإنذار أطلقت في القدس وتل أبيب وبئر السبع وعسقلان والخضيرة، وهي مناطق لم يسبق أن وصلتها صواريخ المقاومة منذ نشأة إسرائيل، كما تأكد سقوط صواريخ في مدن أسدود وأشكول وسديروت ونتيفوت وأوفكيم.
وحسب الجيش الإسرائيلي فإن "45 صاروخاً أطلقتها حركة حماس في غضون ساعة واحدة وصلت إلى مسافة 62 ميلاً (قرابة 100 كيلو متر) في قلب إسرائيل".
وكانت كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس أعلنت أن وحدة من كتائبها قامت بتنفيذ اقتحام لقاعدة سلاح البحرية الإسرائيلية على شواطئ بحر عسقلان شمال قطاع غزة.
كل ما سبق يشير إلى أن المقاومة الفلسطينية تحقق إنجازات نوعية غير مسبوقة، ليس في تاريخ المقاومة الفلسطينية فقط، بل في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، رغم ذلك لا نجد اهتماماً يُذكر من محور الممانعة.
ربما يكون هذا المحور معذوراً في إهماله، فقد باتت له همومه الخاصة البعيدة عن فلسطين، فهو منشغل في مساندة النظام السوري في قتل شعبه، وكذلك في البحث عن طريقة تدعم نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي في مواجهة زحف الدولة الإسلامية القادم إليه من الشمال.
الذريعة التي اخترعها محور الممانعة لدعم النظام السوري ومساندته، كانت ابتكار رواية أن الثورة الشعبية التي بدأت في درعا إنما هي مؤامرة كونية تستهدف النظام السوري بسبب مساندته لقوى المقاومة في فلسطين.
لذلك، وحرصاً على فلسطين، وسعياً لدعم المقاومة، فإن محور الممانعة ساند النظام السوري في ارتكاب جرائمه.
وتغافل هذا المحور عن أنه ساهم أيضاً في التضييق على حركة حماس التي تقود المقاومة في فلسطين، ويساهم في قتل اللاجئين الفلسطينيين في مخيم اليرموك ومحاصرتهم وتجويعهم وإذلالهم، وتغافل عن مساندته للإطاحة بحكم الإخوان في مصر الذي كان يقدم الدعم والمساندة للمقاومة في غزة، وهلّل وصفق للنظام الانقلابي الذي يفاخر بعدائه للمقاومة ويسعى للقضاء عليها، ويقوم بمحاصرة أبناء قطاع غزة، ويدمر الأنفاق التي تشكل شرايين الحياة لهم.
كل ذلك لم ينتبه إليه أحد، فالمقاومة حسب محور الممانعة هي فقط التي يقوم بها هو، لا أحد غيره. هو فقط من يملك حق العمل لأجل فلسطين والفلسطينيين، ولو كان ما يقوم به يضر بفلسطين ويقتل الفلسطينيين، هو فقط من يجب أن نرحب بإنجازاته وانتصاراته في مواجهة إسرائيل، أما إذا حقق غيره إنجازات ونجاحات فلا قيمة لها ولا أحد يعبأ بها.
حتى يومنا هذا، مازال الإعلام الداعم لمحور الممانعة يهلل لعبارة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، التي قالها خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، حين حذر من أن صواريخ حزبه قادرة على الوصول إلى حيفا وما بعد حيفا، وما بعد بعد حيفا.
ومازالت جماهير الممانعة حتى يومنا هذا تتناقل هذه العبارة بزهوّ وافتخار، رغم أنها مجرد كلام. في حين أن صواريخ المقاومة الفلسطينية قبل أيام تجاوزت حيفا بأشواط، ووصلت إلى تل أبيب والقدس وبئر السبع والخضيرة، لكن لا أحد يهتم، لأن المقاومة التي حققت هذه الإنجازات رفضت أن تكون مُلحقاً بمحور الممانعة وتبعاً له.
لا أحد ينتظر من محور الممانعة أن يشارك حركة حماس في مواجهة العدوان الإسرائيلي على غزة، فهذا الأمر لم يحصل في السابق، رغم أن حماس كانت حينها مدرجة على لائحة من يرضى عنهم محور الممانعة.
ما ننتظره اليوم من هذا المحور، هو بعض المروءة وحفظ ماء الوجه، والتظاهر، ولو تصنّعاً، بمساندة المقاومة في مواجهة ما تتعرض له.
المطلوب أن يخرج عاقل من صفوف محور الممانعة، ليسأل: أين نحن من فلسطين؟ كيف نسعى لتحريرها ونحن نساند نظاماً أعلن العداء للمقاومة الفلسطينية ويذلّ الفلسطينيين على أرضه؟ كيف نحرر فلسطين إذا كانت بنادقنا ومقاتلونا تركوا الثغور على الحدود مع فلسطين، وذهبوا إلى سوريا والعراق؟.. فلسطين على حدودنا، فلماذا نبتعد عنها؟!.
(نقلا عن بوابة الشرق القطرية 12 تموز/ يوليو 2014)