كتب روبن رايت الباحث في معهد السلام الأمريكي عن الوضع في
العراق، وقال إنه يشبه الوضع الذي مر به
لبنان في الأيام الحالكة أثناء
الحرب الأهلية التي اعتبرت أول وأطول حرب أهلية في العالم العربي، حيث استمر النزاع لمدة 15 عاما. وكان ثمن الحرب الإنساني على بلد هو أصغر من ولاية كونيتيكت مذهلا: 150 ألفا قتلوا ومليون شردوا، وانهار الاقتصاد، حيث قدرت قيمة الدمار بحوالي 25 مليار دولار أمريكي. وخلال الحرب استخدمت
الميليشيات أساليب كان أبرزها
العمليات الانتحارية التي علمت أسلوبا جديدا في الحرب حول العالم.
ويضيف الكاتب أنه "خلال الأعوام ما بين 1975 و1990، اهتز كل الشرق الأوسط، حيث أثرت تموجات الحرب اللبنانية وأشعلت سلسلة من النزاعات الصغيرة والكبيرة، بما فيها
الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، الذي تحول إلى احتلال فوضوي استمر 18 عاما، وقد عشت خمسة أعوام خلال الحرب اللبنانية المتعددة الوجوه، وقضيت وقتا طويلا في الملاجئ الواقية من الرصاص، منتظرا توقف القذائف المدفعية أو المعارك المدوية في الشوارع فوقي، وكنت أناقش مع اللبنانيين ما إذا كان بلدهم سيتحمل السم الذي يأكل 18 طائفة معترفا بها في البلد ـ مسلمة، مسيحية، درزية، وغيرها".
ويروي قائلا: "انتهت الحرب الأهلية في عام 1990، حيث نجت الدولة بالكاد، وبعد ربع قرن تقريبا لا تزال آثار الحرب حاضرة، وعلى شكل سياسي، حيث يحاول اللبنانيون الاتفاق على رئيس وسط الاضطرابات الطائفية. فحزب الله الذي ولد أثناء الحرب وبعد ذلك نظم نفسه كحزب سياسي، أصبح الآن قويا بما فيه الكفاية ليقول نعم أو لا للرئيس، ولا يزال لبنان يقدم دروسا للمنطقة".
ويرى الكاتب أن مدى الأحداث التي شهدها العراق في الأسابيع الثلاثة الماضية ولدت من نفس الخلافات حول المشاركة في السلطة التي مزقت لبنان إلى أجزاء، ولكنها أكبر حجما من الناحية السياسية والاقتصادية والعسكرية والإقليمية، "ونذكر في البداية أن مساحة العراق تماثل مساحة ولاية كاليفورنيا، أما المنطقة التي سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام بسرعة مدهشة، فتماثل مساحتها مساحة ولاية إنديانا".
و"على العموم فإن العراق يعتبر ذا قيمة جيو- استراتيجية، ويجب أن لا ننسى أنه ثاني منتج للنفط في العالم في مجموعة الدول المنتجة والمصدرة للنفط (أوبك)، والسلاح لدى الطرفين أكبر وأسوأ مما كان في لبنان، والأحقاد قد تكون أعمق، فيما يعتبر الأثر أوسع إقليميا، وقد تنتقل التداعيات- المقصودة وغير المقصودة- دوليا".
ولدى كل من الدولتين نقاط تشير لأهميتهما الدينامية على العالم وسخونتهما، ولكن الكاتب يرى أن العراق أقرب للبنان منه لسوريا التي بدأ فيها تنظيم داعش بتوسيع مناطق سيطرته، لأن العراق ولبنان من الديمقراطيات الوليدة حسبما يرى. فالمشاركة في السلطة متفق عليها رغم أنه لا يتم تطبيقها بشكل مناسب. وبالمقارنة معهما فالحرب الأهلية في سوريا التي مضى عليها أكثر من 3 أعوام طالت لأن الرئيس بشار الأسد متمسك بالسلطة الديكتاتورية.
ويعتقد أن المجتمعات في كل من لبنان والعراق كانت تسير في مسار مستقبلي يختلف عن تلك التي خطتها دول المنطقة. فقد كانت معركة للانتقال بعيدا عن هويات العائلة والقبيلة والعرق والطائفة باسم الهوية الوطنية الأوسع، وهي تحديات تواجهها كل الديمقراطيات بما فيها الولايات المتحدة التي عاشت حربها الأهلية والمماحكات السياسية الحالية.
ويقول إن "العثور على صيغة سياسية عادلة تتسم بالمساوة هي تحد رئيس في كل أنحاء الشرق الأوسط، في وقت يطالب فيه الناشطون وقطاع كبير من الشباب بحصة عادلة في السلطة، وهي العقبة الأخيرة التي تضعها الدول أمام موجة التحول الديمقراطي التي أنهت الأيديولوجيات البغيضة والأبارتهايد والشيوعية خلال النصف الأخير من القرن الماضي. ومن هنا، فإن ما هو على المحك كبير وتاريخي بالنسبة للشرق الأوسط".
ويقول: "سيكون العراقيون بكل طوائفهم وأعراقهم أغبياء ويسعون للدمار الذاتي إن لم يتفقوا مع بعضهم البعض وبشكل سريع، وما زالت لديهم الفرصة لإعادة الوضع، ويوزعون السلطة ويصلحون الشق السياسي بطريقة لا يمكن عملها في سوريا طالما بقي الأسد في السلطة. ولديهم مصلحة دولية لتحقيق هذا، على شكل دعم خارجي دبلوماسي وعسكري وإن كان مدعاة للجدل".
ويرى أن"البديل عن هذا هو وضع مثل الوضع اللبناني الذي اختطف فيه أمراء الحرب السياسة، وهمشت الميليشيات التي تحدت القانون دور القوى الأمنية، ونجا الاقتصاد بفعل التهريب، وكانت الحياة اليومية بمثابة فصل دارويني- صراع من أجل البقاء".
ويتذكر أن شرفة شقته في بيروت وصلت إليها أجزاء من سيارة جديدة عندما قام انتحاري بتفجير نفسه بشكل متعجل "ولم يكن أحد يستطيع التكهن بوقت اندلاع القتال، واحتفظت على جدار غرفتي بجدول عليه أسماء الميليشيات التي كان عددها يتزايد، هناك العشرات منها عندما غادرت عام 1985، حيث كانت تغير الولاء وتصنع أعداء بشكل مستمر، وحلفاء اليوم ربما كانوا يحاولون قتل بعضهم البعض في اليوم التالي، لأسباب لا علاقة لها بالقضية المشتركة، ولم يكن مستغربا مشاهدة فصيل شيعي يقاتل آخر شيعيا، أو مسيحي يقاتل مسيحيا، أو سني يقاتل سنيا، ويواجه العراق المناوشات المميتة".
ويقول إن دروس لبنان تنطبق على الولايات المتحدة أيضا، فمن جميع حروبها في الأماكن الأخرى، وأحد أكبر الخسائر التي تكبدتها في هجوم واحد منذ الحرب العالمية الثانية كان مقتل 241 من جنود المارينز في بيروت عام 11983. بعد أن نظر للولايات المتحدة أنها تقف مع طرف ضد آخر في الحرب الأهلية اللبنانية.
و"كما أثبت لبنان أن الحل النهائي هو سياسي. وكانت الحلول بسيطة لدرجة التفاهة، فقد انتهت الحرب اللبنانية وبتغيير بسيط لميزان القوة الداخلي. فالصيغة الأولى من فرنسا عام 1943، في اتفاق غير مكتوب بناء على إحصاء عام 1932 المشكوك فيه، وخصص 6 مقاعد في البرلمان للمسيحيين مقابل كل 5 مقاعد خصصت للمسلمين، وبحسب اتفاق السلام عام 1990 أصبحت النسبة أكثر تكافؤا، فقد احتفظ بالرئاسة للمسيحيين، ورئاسة الوزراء للسنة والبرلمان للشيعة، ولم يعط أي من المناصب لطوائف أخرى".
"نتائج قليلة وقتلى كثر، فاحذر أيها العراق".