كتاب عربي 21

حول بيان تبني القاعدة في بلاد المغرب للإرهاب في تونس

1300x600
كان الصمت الطويل بل والأهم عدم المباردة إلى نفي أي مسؤولية من قبل تيار "السلفية الجهادية" خاصة منهم المنتسبين إلى القاعدة أو "انصار الشريعة"، ازاء العمليات الإرهابية التي تستهدف الدولة وشخصيات سياسية قد ترك المجال للتشكيك في صدقية اتهام وزارة الداخلية التونسية الرسمي للمنتسبين لـ"السلفية الجهادية"، وخاصة "انصار الشريعة" بالتورط في الارهاب.

 ليلة 12 جوان في المقابل تم لأول مرة ترويج نص بيان منسوب لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي (بتاريخ 1 جوان لكن تم ترويجه منذ حوالي الساعة في صفحات "السلفية الجهادية") يتبنى (لاول مرة) ويشرع للعمليات الارهابية في تونس بما في ذلك استهداف منزل وزير الداخلية والمجموعة المتمركزة في منطقة الشعانبي الجبلية المحاذية للحدود التونسية الجزائرية. 

البيان حمل عنوانا ومعان تحيل على نهج تبريري ودفاعي عن العمليات خاصة منها عملية استهداف منزل وزير الداخلية في مدينة القصرين. حيث لا يتحدث عن خطة محكمة لاستهداف الدولة بل مجرد ردود أفعال على ممارسات استهدفت نساء التيار خاصة منها قتل "ام يمنى" (زوجة احد القيادات السلفية الجهادية في منطقة دوار هيشر في الضواحي الغربية للعاصمة تونس) وذلك نهاية سنة 2012 وتبني وزير الداخلية لمسألة "جهاد النكاح" واعتبار ذلك "تشببا بنساء المسلمين وامهات المؤمنين".

 وحتى المواجهات في منطقة الشعانبي تم تصويرها ضمن "دفع الصيال" بسبب قيام الجيش التونسي بما اعتبروه "عمليات ضخمة على المجاهدين بجبل الشعانبي". وتم التوجه في هذا الاطار إلى "أهلنا في تونس خاصة، بأننا لا نستهدف بعملياتنا إلا من بدأنا بالعدوان، دفعا لصيالهم وعاديتهم"، مع التأكيد على تخصيص الهجمات على قوات الامن والجيش وعدم استهداف المدنيين. وفي المقابل تم الصمت في البيان على عمليات الاغتيال ومحاولات الاغتيال المنسوبة للتيار. 

تحليل هذا البيان يجب طبعا أن ينطلق من التثبت من صحته. في الوقت الذي يصدر فيه هذا البيان يوم 1 جوان لا يتم توزيعه إلا بعد ذلك بأكثر من عشرة أيام، فإن مكان صدوره لم يتم في موقع رسمي لتنظيم قاعدة المغرب. لكن من الضروري الإشارة هنا إلى أن التنظيم لا يحظى منذ اشهر عديدة بموقع محين ينشر تباعا ما يصدر عنه. في المقابل أحد المواقع التي تم فيها نشر البيان ليس جديدا ومعروف بقربه من تنظيمات القاعدة بما في ذلك قاعدة المغرب. فمنتدى "شبكة عرين المجاهدين" موال بشكل واضح للخط المركزي للقاعدة ممثلا في أميرها أيمن الظواهري وبالتالي يركز على الاخبار الخاصة بـ"جبهة النصرة" ويبدي عداء شديدا تجاه "داعش". في المقابل روجت البيان اداة اعلامية بدأت في البروز منذ ما يفوق الشهرين تحت عنوان "إفريقية للإعلام" والتي تستعمل على وجه الخصوص صفحة فايسبوك وحساب تويتر وتبدي بوضوح تركيزا على اخبار ونصوص "أنصار الشريعة" التونسية مع "أنصار الشريعة" الليبية خصوصا بما يحيل على تمركز مصادرها خاصة في ليبيا. وعلى عكس منتدى "شبكة عرين المجاهدين" فإن صفحة وتويتر "إفريقية للإعلام" يركز جهده على نصرة "داعش". 

في سياق الدقة يجب التذكير هنا أن هذا البيان وإن كان الأول من نوعه المنسوب لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي فيما يخص تبني العمليات الارهابية في تونس إلا أنه بكل تأكيد ليس الأول الذي يتم فيه تبني عمليات ارهابية ونسبها إلى "السلفية الجهادية" في تونس وتحديدا أنصار الشريعة. اذ نشرت صفحات التيار في مارس الماضي بيانا منسوبا إلى احد شيوخهم المشارقة المعروف باسم "أبي سعيد العاملي" (توجد مجموعة كتاباته بما في ذلك الخاصة بمنطقة المغرب وتونس تحديدا في منبر "التوحيد والجهاد") بعنوان "كشف القناع عن مشروعية غزوة أولاد مناع" (نسب فيها العاملي عملية ارهابية ضد امنيين تونسيين إلى "أنصار الشريعة") تم فيها ذكر معاني قريبة جدا من معاني البيان المنسوب لقاعدة المغرب خاصة فيما يخص رد الهجوم و"قلب الصورة" من وضع الدفاع إلى وضع المبادرة. بيد ان بيان العاملي كان أكثر دقة من جهة اعتبار ان قتال الدولة القائمة لا ينتظر مبادرتها الهجوم بل يصبح ضرورة بمجرد تثبيت صفة "الشرك" على الحكومة القائمة و "لا يشترط في حرب هؤلاء سوى القدرة وامتلاك الشوكة المطلوبة".

 بتتبع كتابات العاملي بالمناسبة وهو من المتخصصين من الشيوخ المشارقة للتيار في الكتابة عن المنطقة المغاربية نلاحظ تدرجها من التنظير لاستراتيجيا قاعدة المغرب قبل الثورة في مؤلف صدر في شهر فيفري 2010 بعنوان "قاعدة بلاد المغرب الاسلامي حقائق الواقع ووعود المستقبل" ركز فيه على التوسع في دول الساحل وليس في الاقطار المجاورة للجزائر. في حين تبنى منهجا تدرجيا في فترة ما بعد الثورة حيث دعى انصار التيار قبيل انتخابات 23 أكتوبر في "رسالة الشيخ ابي سعيد العاملي إلى الموحدين في تونس" إلى تجنب "دخول قصور" الحكام وعدم المشاركة في "الديمقراطية الكفرية" والتركيز على "تربية المجتمع". بينما تحول فيما بعد خطابه إلى رؤية اكثر تشددا وكان ذلك في تناسق مع دعمه لـ"داعش". 

الحقيقة فإن المعطيات الواردة في البيانين أعلاه تحيل على أمرين أساسيين:
أولا، هي معطيات منسجمة مع ما ورد في التحقيقات التي تمت مع الموقوفين من التيار ممن تورطوا في الارهاب والتي تحدثت عن قتل "ام يمنى" كنقطة فارقة في الحشد الداخلي وقرار بدء العمل الارهابي. وهذا يؤكد صحة البيانين ولا ينفيهما.
 
ثانيا، هناك اختلاف طفيف بين لهجة البيان المنسوب لقاعدة المغرب والتي تركز على "دفع الصايل" وعموما رد الفعل أكثر من المبادرة بالهجوم وتتبنى بالخصوص المجموعة الناشطة في جبال الشعانبي (وسط غربي) والتي يقودها جزائري باسم "ابو صخر" وهو البيان المرتبط بمواقع تدافع عن الخط المركزي للقاعدة، والبيان المنسوب إلى ابي سعيد العاملي والذي يتبنى المجموعة الناشطة في جبال خمير ("أولاد مناع") والذي يؤكد على "قتال المشركين" بمجرد توفر امكانية ذلك وليس من زاوية "دفع الصايل"، والذي تم ترويجه من قبل "إفريقية للإعلام"، وكلاهما العاملي وهذه الاداة يدافعان عن "داعش". بمعنى كأننا ازاء مجموعات ارهابية تتفق في الحد الادنى على الستسلح والتمركز في مناطق جبلية محاذية للحدود الجزائرية لكنها متأثرة إلى حد ما بالتنازع القائم في المجال المركزي لخريطة "السلفية الجهادية" اي العراق وسوريا. 

في كل الحالات فإننا بصدد مجموعات بصدد التحصن والتصعيد التدريجي مستوى الاستهداف لقوات الامن والجيش. لكننا ازاء مجموعات صغيرة متأثرة بشكل او بآخر اي فعليا عبر العائدين او عقائديا بالتطورات الحاصلة في سوريا والعراق، وايضا ليبيا. وتأخر تبني العمليات وتذبذبها يبدو انه يعكس نزعة التدرج هذه، وليس كما يصر بعض المتشككين بأنه تعبير عن براءة هؤلاء من اي عمل ارهابي. فلا يجب ان ننسى على سبيل الذكر لا الحصر ان إعلان القاعدة عن تبنيها لاهم عملية قامت بها اي عملية 11 سبتمبر لم يتم بشكل فوري وكان تأخيره متأثرا بعدم الاضرار بعلاقتها بمضيفييها الافغان الذين لم يكونوا على علم بالعملية.