كتاب عربي 21

ليبيا ليست شأنا داخليا

1300x600

تشهد الجارة الشقيقة ليبيا منذ انتصار ثورتها صعوبات جمة في إعادة لملمة اجتماعها السياسي.

 وتعود هذه الصعوبات لعوامل شتى لعل أهمها طبيعة النظام السابق الذي بنى شرعيته على نوع من الفوضوية والتشكيك في جدوى الدولة والاعتماد على القائد الملهم مشتركا وحيدا بين الليبيين.
طبيعة الثورة أيضا التي اقتضى انتصارها الانتشار الواسع للسلاح والمجموعات المقاتلة واستدعاء القوى الإقليمية والدولية لتعديل موازين القوى المائلة بشكل مرعب لصالح الديكتاتورية التي لم تتردد هي الأخرى في استدعاء الدعم الاجنبي.

تفاقمت الصعوبات وتعمقت الانقسامات مع صعود الموجة المضادة للثورات العربية والتي بلغت أوجها في أحداث مصر فقسمت شعبها عموديا بشكل يهدد لأول مرة وحدة النسيج الاجتماعي المصري.
جلبت الأحداث الأخيرة في الشقيقة الشرقية اهتماما واسعا لدى الرأي العام والنخب السياسية لما تمثله ليبيا من عمق وتاريخ مشترك لبلادنا ولأسباب استراتيجية وسياسية باعتبار الاعباء التي يمكن أن يرتبها انخرام الاستقرار الليبي على أوضاعنا الداخلية.

وقد وصل هذا الاهتمام بالبعض من الأصدقاء داخل السلطة وخارجها إلى الاصطفاف مع هذا الطرف أو ذاك وهو سلوك غير معهود في تاريخ العلاقات بين البلدين مع استثناء بعض المجموعات الهامشية هنا وهناك.

المسار السياسي للبلدين خلال الخمسين سنة الماضية أنتج لكل منهما جغرافيا سياسة خارجية وداخلية  مغايرة للآخر ما جعل تأثير أحدهما في الآخر من الناحية السياسية ضعيفا.

الاشتراك في المسار الثوري بين البلدين خلال الثلاث سنوات الأخيرة لا يغير حقائق التاريخ والجغرافيا التي لئن كانت تسمح بالتساهل في المواقف السياسية بين البلدان المنفصلة عن بعضها فلا ينجر مثلا عن موقف متسرع من الوضع السوري مخاطر تهدد الاستقرار جديا فانها بالمقابل تدعو الى الحذر الشديد والتمييز الدقيق إذا تعلق الأمر بالجيران المتصلين لأن أي خطأ في الحساب أو تسرع في اتخاذ المواقف قد يفتح الأبواب على مصراعيها أمام مختلف الشرور التي ليس أقلها الاندراج في الفوضى.

رجاؤنا في الله وفي إخواننا في ليبيا أن يتوفقوا لاستعادة الإجماع الوطني وبناء دولة تستجيب لطموحات شباب ثورة 17 فبراير، وقد اثبتوا إلى حد الآن مستوى عال من ضبط النفس والنضج بالنظر إلى كمية الأسلحة المنتشرة وكم المصالح المتصارع عليها.

وفي هذه الحالة فإن بقاء تونس على الحياد الإيجابي بين كل الأطراف يساعد في الدفع نحو التسويات والتصالحات الضرورية. وإن كانت الأخرى لا سمح الله فيصبح الحياد والوقوف على مسافة واحدة من كل الأشقاء الليبيين أشد الحاحية لنتمكن من المساهمة في كف التزيف وجمع الفرقاء.

هذه السياسية أيضا كفيلة بتقليل المخاطر على بلادنا التي تؤوي أكثر من مليون من الأشقاء الليبيين، وينتظر في حالة عدم الاستقرار أن يتضاعف العدد. ولن تتمكن تونس من السيطرة على هذا العدد وإيوائه ومنع امتداد الصراع إليه إلا إذا كانت غير منخرطة في الصراعات الليبية وتتعامل مع الأوضاع لا باعتبارها طرفا، ولكن باعتبارها حكما عندما تستدعى للتحكيم من أصحاب الشأن.

هذا المسلك هو بناء على سياسة تونس الخارجية التي تبلورت خلال نصف قرن، سياسة تنبني على الحياد الإيجابي وعدم الانخراط في المحاور، تزيدها التجربة السياسية التي حصلت بعد الثورة المباركة وتعززت بتوفق التونسيين إلى تجنب الفوضى الأهلية والانقسام المسلح إلى حد الآن، تزيدها ألقا وتهيئة للعب دور إيجابي في الصراعات التي تشق الإقليم والمنطقة.. لا نراعي في ذلك إلا مصلحة الوطن والدولة والأمة بعيدا عن العواطف حبا كانت أو كرها أو غضبا.