حذرت "منظمة العفو الدولية" (آمنستي) من النقص الحاد في تأمين الخدمات الصحية للاجئين السوريين في
لبنان حتى في بعض الحالات الطارئة مما يضطر بعضهم الى العودة إلى
سورية لتلقي
العلاج.
ويأتي هذا بينما حذّر وزير
العمل اللبناني سجعان قزي من وجود نحو مليون سوري، أي ثلثي عدد
اللاجئين السوريين في لبنان، ينافسون اللبنانيين في سوق العمل، مشيرً إلى أن رجال الأعمال السوريين يفتتحون مؤسسات "غير قانونية" في كافة القطاعات الإنتاجية من خلال "شراكات وهمية" مع لبنانيين.
العفو الدولية:
ولفتت منظمة العفو الدولية في التقرير الذي أصدرته تحت عنوان "خيارات مؤرقة: لاجئون سوريون بحاجة إلى رعاية صحية ملائمة في لبنان"، إلى وجود "نقص كبير" في حجم المساعدات الدولية التي تركت اللاجئين السوريين في لبنان "غير قادرين على الحصول على الرعاية الطبية الضرورية"، مشيرة إلى أن الوضع أصبح بائساً لدرجة اضطرار اللاجئين في بعض الحالات إلى "العودة إلى سورية للحصول على العلاج الذي يحتاجون إليه".
وأشار التقرير إلى بعض "الثغرات الخطيرة على مستوى
الخدمات الطبية المتوفرة للاجئين"، موضحة أنه في بعض الحالات "رفضت المستشفيات إدخال اللاجئين السوريين بما في ذلك حالات الطوارئ".
ويضم لبنان أكثر من 1.1 مليون لاجئ سوري مسجلين لدى المفوضية العليا للاجئين التابعة للامم المتحدة، بالإضافة إلى نحو 50 ألف لاجئ فلسطيني – سوري مسجلين لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). ومن المتوقع أن يصل عدد اللاجئين المسجلين، بحسب التقرير، إلى مليون ونصف مليون لاجئ مع نهاية العام 2014 – أي ما يعادل ثلث سكان لبنان قبل اندلاع النزاع في سورية.
ويمكن للاجئين السوريين المسجلين رسميا طلب الحصول على الرعاية الصحية في لبنان من خلال برنامج تديره المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
وسبق للأمم المتحدة أن أطلقت نداء عاجلا لجمع 1.7 مليار دولار لدعم مشاريعها الخاصة بالنازحين السوريين في لبنان خلال العام 2014، وذلك كجزء من النداء العاجل الذي أُطلق من أجل جمع 4.2 مليار دولار تُخصص للاستجابة لاحتياجات اللاجئين السوريين عموما، ولكن ما تم تأمينه فعليا لا يتعدى 17% من المبلغ المطلوب حتى الآن.
وفي هذا السياق، أوضحت مديرة برنامج القضايا العالمية في "آمنستي" أودري غوغران أن هناك نقصا "خطيرا ومؤلما" في العلاج بالمستشفيات والرعاية المتخصصة المتاحة للاجئين السوريين في لبنان، مضيفة أن نقص التمويل الدولي زاد الأوضاع سوءا.
ولفتت غوغران إلى أن اللاجئين السوريين في لبنان يعانون كنتيجة مباشرة لـ"التقاعس المعيب من طرف المجتمع الدولي عن تمويل كامل احتياجات برامج الأمم المتحدة للإغاثة في لبنان".
ويتصف نظام الرعاية الصحية في لبنان بارتفاع تكاليف العلاج فيه كونه تابعا للقطاع الخاص في معظمه، الأمر الذي يدفع الكثير من اللاجئين للاعتماد على الرعاية الصحية بالأسعار المدعومة التي توفرها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
لكن المفوضية تضطر بسبب نقص التمويل إلى فرض نظام يقيد مجموعة الشروط التي يجب على اللاجئ أن يستوفيها للحصول على علاج في المستشفى، واذا استطاع استيفاء الشروط يبقى عليه دفع 25% من إجمالي تكلفة العلاج.
وحذرت غوغران من أن التكلفة الباهظة للعلاج الصحي في لبنان "تدفع عائلات بأكملها نحو الانزلاق في هاوية الدَّيْن"، وذكرت بأنه لا تتوفر الكثير من فرص العمل للاجئين السوريين الذين وصل معظمهم إلى لبنان من دون أن يكون بحوزتهم أي مال أو أنهم حملوا القليل منه فقط.
وأوضحت أنه بسبب ذلك على اللاجئين الاختيار بين "سداد رسوم الرعاية الطبية أو دفع الإيجار أو شراء الطعام"، مشددة على أن الوقت آن كي يعترف المجتمع الدولي بتبعات تقاعسه عن توفير المساعدة الكافية للاجئين الفارين من النزاع في سورية.
ورأت أن هناك "حاجة ماسة" تتطلب من البلدان أن تفي بتعهداتها على صعيد النداء الإنساني العاجل لتلبية الاحتياجات الخاصة بالأزمة السورية، وأن تكثّف من جهودها لتوفير فرص لإعادة توطين الفئات الأكثر ضعفا وهشاشة بين اللاجئين، بمن في ذلك أولئك الذين هم بـ "حاجة ماسة للحصول على العلاج الطبي".
وفي حين أشار التقرير الى أن "آمنستي" تدرك أن تدفق اللاجئين خلق "ضغطا هائلا على موارد لبنان، لا سيما في قطاع الخدمات الصحية"، لكن غوغران ذكرت أنه على لبنان أن "يضع استراتيجية وطنية تُعنى بالصحة من شأنها أن توفر المزيد من المخصصات لجميع المتواجدين على الأراضي اللبنانية، بما في ذلك الفقراء والمهمشين من اللبنانيين ومجتمعات اللاجئين أيضا".
وأقرت بأن لبنان يواجه "خيارات صعبة" على صعيد التكيف مع احتياجات سكانه، والوفاء بالتزاماته تجاه اللاجئين المتواجدين على أراضيه، مؤكدة أنه "لا يجوز ترك لبنان وحده كي يواجه إحدى أكبر أزمات اللجوء في التاريخ".
وشددت على أن هذه "مسؤولية دولية مشتركة ويجب على البلدان التي تمتلك القدرة الاقتصادية أن ترتقي إلى مستوى الحدث".
ولا يقدر العديد من اللاجئين السوريين المصابين بالسرطان وغيره من الأمراض المزمنة على تأمين تكلفة العلاج الباهظة في لبنان. وثمة عدد متزايد من العائلات التي أصبحت مثقلة بأعباء الدين جراء ارتفاع تكلفة فاتورة العلاج. وتُضطر اللاجئة السورية، أمل، إلى العودة إلى سورية مرتين أسبوعيا من أجل عملية غسيل الكلى التي لا تستطيع تأمين تكلفتها في لبنان.
وقالت أمل لمنظمة العفو الدولية: "أخشى العودة إلى سورية، ولكن لا خيار آخر أمامي".
وقد تفاقمت أوضاع بعض الحالات التي كانت تتطلب علاجا بسيطا لتصبح حالات خطيرة تهدد حياة المرضى جراء المضاعفات الناجمة عن غياب العلاج أو الدواء.
ويركز تقرير "آمنستي" على اللاجئين السوريين دون غيرهم من اللاجئين الذين يستضيفهم لبنان بمن فيهم حوالي 50000 لاجئ فلسطيني فروا من سورية، بالإضافة إلى اللاجئين الفلسطينيين الآخرين المقيمين في لبنان منذ أمد طويل.
ولجأ مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى لبنان عام 1948 مع "النكبة" الفلسطينية وقيام دولة إسرائيل، وما زالوا، بعد مرور أكثر من 66 عاماً، يتواجدون في 12 مخيماً منتشرا في أكثر من منطقة لبنانية. وتقدر الأمم المتحدة عددهم بحوالي 460 ألفا.
وزير العمل:
من جهته، قال وزير العمل اللبناني لوكالة الأناضول إن عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى منظمات الأمم المتحدة بلغ حتى الأسبوع الثالث من أيار/ مايو الجاري مليون و123 ألفاً، 46% منهم أيد عاملة تنافس الأيادي العاملة اللبنانية.
وأوضح أن من بين الرقم الذي ذكره (مليون و123 ألفاً)، نحو 400 ألف سوري مسجلين في عداد اللاجئين إلا أنهم يتحركون كل فترة بين لبنان وسورية، ما يعني أن هؤلاء "ليسوا لاجئين وإنما طلاب عمل، ومجيئهم إلى لبنان ليس لأسباب أمنية"، بحسب رأيه.
وأشار قزي، المنتمي الى حزب "الكتائب" المنضوي في تحالف "14 آذار" المناهض للنظام السوري، إلى أنه بالإضافة إلى العدد الرسمي المسجل يوجد ما بين 300 إلى 400 ألف سوري غير مسجلين لدى الدولة اللبنانية أو هيئات الاغاثة الدولية كلاجئين، ما يجعل عدد السوريين الإجمالي في لبنان نحو 1.5 مليون سوري، وهو الرقم الذي استند عليه في حديثه بأن نحو مليون سوري ينافسون اللبنانيين في سوق العمل، أي ثلثي عدد اللاجئين السوريين في لبنان.
ولفت إلى وجود ما بين 800-900 ألف سوري يعملون في لبنان من دون إجازات عمل، معتبراً ذلك أمراً خطيراً من الناحية الأمنية، كما يشكل عبئاً إضافياً على اليد العاملة اللبنانية، حيث تبلغ نسبة البطالة بين الشباب نحو 34%، بحسب الإحصاءات الرسمية.
وأشار إلى أن عدد السوريين الذين طلبوا ونالوا أذونات عمل في لبنان العام الماضي؛ لم يتعد 1567 شخصا فقط، مقابل 500 سوري في الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، وهو أمر "مذهل" بالنسبة للوزارة مقارنة بالرقم الفعلي الموجود.
ولفت الوزير إلى أن
العمالة السورية لا تقتصر على الرجال بل تشمل النساء، مشيراً إلى أن "الأمر المؤسف والمحزن" أن عدداً كبيراً من العاملين السوريين تقل أعمارهم عن 18 سنة.
ووصف قزي وجود العمالة السورية في بعض القطاعات الانتاجية في لبنان خاصة الزراعة والبناء بأنه "حالة طبيعية"، مشدداً على أنه عدا هذين القطاعين فـ"كل عامل أجنبي في لبنان سواء أكان سورية أم أمريكياً يعتبر مزاحماً ومنافساً لليد العاملة اللبنانية". وفي العادة يعزف اللبنانيون عن العمل في قطاعي البناء والزراعة.
وتطرق الوزير في حديثه لـ"الأناضول"، إلى افتتاح رجال أعمال سوريين لبعض المؤسسات الكبيرة في السياحة والتجارة والاقتصاد والصناعة وكافة القطاعات المحصورة باليد العاملة اللبنانية"، مؤكداً أن "هذه المؤسسات غير شرعية وهو لم يعط رخصة لأي منها"، لكنه لم يبين عددها.
وأوضح أن هناك بعض رجال الأعمال السوريين الآخرين "يقومون بنوع من الشراكات الوهمية مع لبنانيين لكي يؤمنوا تغطية لشركاتهم ضد رفضها".
وأشار قزي إلى أن موضوع العمالة السورية لا ينظر إليها فقط من ناحية اقتصادية، بل من زاوية اجتماعية وأمنية وسياسية أيضاً.
وحذّر من أن فتح الحدود اللبنانية بهذه الطريقة أمام اللجوء السوري "يمكن أن يقضي على الكيان اللبناني والحدود الدولية بين البلدين (لبنان وسورية)" حسب تقديره.
وأوضح وزير العمل أن الوضع لا يحتمل أي تهاون لأن "لبنان في خطر الزوال والسقوط، والدولة تسقط تدريجياً ويجب أن لا نخجل من الحفاظ على وجودنا وسيادتنا وأمننا ومستقبل شبابنا"، حسب تعبيره.
ونوه إلى أن الحكومة اللبنانية تتجه لإقرار خطة لإقامة مخيمات للنازحين السوريين على الجانب السوري من الحدود اللبنانية في الشمال والبقاع (شرق)، معتبراً أن إطالة عمر الازمة في سورية أو حصول تقسيم فيها سيكون له "تداعيات وجودية على لبنان"، حسب تعبيره.
ولفت الوزير اللبناني إلى وجود "وفاق سياسي" بين جميع الأطراف السياسية في الحكومة على ضرورة وضح حد للاجئين والنازحين السوريين والوجود السوري في لبنان، مرجحاً صدور بيان حكومي قريباً حول اتفاق على هذا الموضوع، لم يحدد موعداً.
وأشار إلى أن هذا البيان سيتضمن ثلاث نقاط، تشمل تحديد مفهوم النزوح، ووضع ضوابط على الحدود اللبنانية- السورية لمنع تدفق مزيد من النازحين، بالإضافة إلى إقامة مخيمات للنازحين السوريين.
وكشف أن هذه المخيمات ستقام إما "داخل الأراضي السورية بالقرب من الحدود اللبنانية باتفاق بين المعارضة والنظام من خلال الأمم المتحدة، أو على الأرض المحايدة بين لبنان وسورية شمالاً أو شرقاً، والحل الأخير هو إقامتها داخل الأراضي اللبنانية بمحاذاة الحدود السورية". واستدرك بالقول إن الحل الأخير "نرفضه وليس الحل الأنسب للبنان".
وأضاف قزي أن إقامة مخيمات للاجئين السوريين لا يعني بالضرورة تكرار سيناريو اللجوء الفلسطيني في لبنان، مشيراً إلى أن هناك "فرقاً" في الوقت الحالي على الأقل بين الحالتين، حيث أن فلسطين دولة جرى احتلالها كاملة على يد شعب غريب (إسرائيل)، في حين أن سورية موجودة والصراع على النظام وليس على الأرض، وبالتالي لا بد للنازحين السوريين أن يعودوا إلى بلادهم، حسب قوله.
ولجأ مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى لبنان عام 1948 مع "النكبة" الفلسطينية وقيام دولة إسرائيل، وما زالوا، بعد مرور أكثر من 66 عاماً، يتواجدون في 12 مخيماً منتشراً في أكثر من منطقة لبنانية، وتقدر الأمم المتحدة عددهم بحوالي 460 ألفاً.
ورأى أن "إقامة مخيمات تبقى أقل خطراً على لبنان من الانتشار العشوائي للنازحين وخرق النسيج الاجتماعي اللبناني الذي يقوم على توازنات دقيقة للغاية" وفق قوله.
إلا أنه في الوقت نفسه حذّر من خطر أن "تطول الحرب في سورية من جهة وأن يصيب التقسيم سورية من جهة أخرى"، خصوصاً إذا اتخذ التقسيم في سورية طابعاً مذهبياً وطائفياً ودينياً فتفضل بعض مجموعات النازحين البقاء في لبنان حتى بعد انتهاء الأزمة المندلعة في بلادهم منذ أكثر من 3 أعوام، ولذلك "يجب وقف استمرار مجيء السوريين إلى لبنان".
لكن هل يمكن للبنان أن يبقى بمنأى عن خطر التقسيم إذا حصل في سورية؟، عبّر الوزير اللبناني عن مخاوفه من أنه إذا استمر لبنان في سياسة "الانحياز للمحاور" في المنطقة، فإنه يشك في أن تتمكن الحكومة من إنقاذ لبنان من "مقص التفتيت الذي يعبث بكل دول الشرق الاوسط"، من العراق وسورية إلى فلسطين مروراً بليبيا واليمن.
ولفت الى أن هذا ما يدفع "حزب الكتائب" إلى الدعوة لاعتماد سياسة "الحياد" أو على الأقل تحييد لبنان عن هذه الصراعات التي تعصف بالمنطقة، علّه يستطيع إنقاذ وحدة لبنان وكيانه.
وانتقد الوزير تدخل حزب الله في سورية وقتاله الى جانب الجيش السوري ضد سوريين آخرين. وخلص إلى أن هذا التدخل أدى إلى "دخول الإرهاب الى لبنان وانعكاسات على حزب الله تحديداً وعلى مناطقه"، وتمنى قزي أن تصل رسالته إلى حزب الله ليعود "إلى كنف الدولة اللبنانية".