كتب الصحافي باتريك سيور معلقا على انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها القوات البريطانية خلال احتلالها للعراق قائلا إن هذه الاتهامات "تلقي بظلالها على الجنود البريطانيين حيث قد يجد هؤلاء الرجال الذين خاطروا بحياتهم من أجل بلدهم يواجهون مرة أخرى احتمال جرهم إلى المحاكم".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة "ديلي تلغراف": أنه "تم أمس الكشف عن أن محكمة الجنايات الدولية في لاهاي تحقق في دعوات بأن جنودنا عذبوا مئات السجناء
العراقيين خلال غزو واحتلال العراق وهذا التحقيق يثير احتمال أن تجد
بريطانيا نفسها في قفص الاتهام في لاهاي بتهمة ارتكاب
جرائم حرب، وإن حصل هذا فلن يكون الجنرالات على الأرض وحدهم بل سيكون معهم السياسيون الذين أرسلوهم بصحبة أبغض أمراء الحرب والدكتاتوريين الذين يحاكمون بتهمة اختراق أهم قواعد الحرب".
مضيفا أن "هذا الاحتمال يغضب من أصدر أوامر الحرب ومن حارب سواء. وقد شجب الكولونيل ريتشارد كمب القائد السابق للقوات البريطانية في أفغانستان هذا التحرك على أنه "تحرك سياسي" ودعا ديفيد كاميرون لدعم الجنود البريطانيين في مواجهة ما سماها اتهامات "لا أساس لها"، وأضاف الكولونيل: "هذه الاتهامات ليست فقط كيدية .. إنها تهدف إلى تقويض إمكانية قواتنا المسلحة وحكومتنا من الدفاع عن هذا البلد.. إنها بهذه الخطورة".
ولكن بالنسبة لهؤلاء الذين يمثلون عشرات العراقيين الذين يزعمون بأن الجنود البريطانيين اعتدوا عليهم يعتبر قرار المحكمة خطوة نحو ما يعتبرونه العدالة. ويقول فيل شاينر، من شركة المحاماة التي تمثل العراقيين أصحاب الدعوى (ببلك انترست لويرز)، إن وظيفته هي جلب المسؤولين عن تصرفات الجنود البريطانيين لمحاسبتهم على أي تجاوزات قام رجالهم بها".
و أضاف شاينر "نحن قلقون جدا من أن أشخاصا على أعلى المستويات كانوا يعلمون بالضبط ماذا يحصل في العراق واختاروا بألا يعيروا المسألة اهتماما أو والأسوأ من هذا أن يكونوا أجازوها فعلا".
ويأتي هذا الإعلان بأن محكمة الجنايات الدولية بدأت بالتحقيقات الأولية في اتهامات ارتكاب الجنود البريطانيين انتهاكات بين عامي 2003 و 2008 بعد أربعة أسابيع من انتهاء "تحقيق السويدي" الذي استمر 168 يوما وأنفق عليه 22.6 مليون جنيه من اجل التحقيق في الدعاوي بأن الجنود البريطانيين عذبوا واعتدوا على السجناء العراقيين بعد المناوشات المسلحة التي دارت في آذار/ مايو 2004 والتي أصبحت تعرف باسم معركة الولد داني.
وينتظر الجنود من فوج أميرة ويلز ومن فوج ساذرلاند هايلاندرز النتائج التي توصل إليها السير ثاين فوربس رئيس التحقيق فيما إن كانوا شاركوا في مثل تلك الاعتداءات. وكانت قد تمت تبرئتهم من أشنع التهم الموجهة إليهم بعد أن أقر محامو السجناء العراقيين بعدم وجود أي أدلة بأن الجنود قاموا بقتل والتمثيل بالجرحى والأسرى خلال ومباشرة بعد المعركة في انتهاك صريح للمبادئ الأساسية للحرب والسلوك المتحضر.
ولكن تحقيق محكمة الجنايات في الموضوع يبعث مرة أخرى شبح "احتمال تصرف القوات البريطانية بصورة مقيتة خلال حملة كان هدفها إعادة الحرية للعراقيين والتخلص من أسلحة الدمار الشامل" .
وقد بدأت المحكمة برئاسة المدعية العامة الرئيسية للمحكمة فاتو بنسودا بالتحقيق المبدأي بالاتهامات بعد تلقيها ملف أدلة في شهر كانون ثاني/ يناير من محامين يزعمون اعتداءات "ممنهجة" ضد السجناء العراقيين من الجنود البريطانيين. وقد علق من اطلع على الملف المكون من 250 صفحة والذي قام بجمعه مكتب المحاماة (ببلك انترست لويرز) والمركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان بأن قراءته تثير القلق.
ويحتوي الملغ على ادعاءات مفصلة حول قيام الجنود البريطانيين بضرب المعتقلين والقيام بتمثيل الإعدام عليهم واستخدام الصدمات الكهربائية ضدهم وحتى المشاركة في اعتداءات جنسية عليهم. والأكثر من هذا الادعاء بأن المسؤولية النهائية تقع على عاتق كبار الضباط والسياسيين بما في ذلك وزراء الدفاع السابقين: جيف هون وجون ريد وديس براون وجون هاتون بالإضافة إلى آدم إنجرام وزير القوات المسلحة السابق.
وقالت محكمة الجنايات الدولية: "إن المعلومات الجديدة تدعي تورط المسؤولين في المملكة المتحدة في جرائم حرب تتضمن اعتداءات منهجية على السجناء".
ورفضت الحكومة البريطانية التهم بشكل صريح، وبدلا من ترك الرد لوزير الدفاع قام المدعي العام دومونيك غريف وهو أعلى مسؤول قانوني في إنجلترا وويلز بالرد قائلا: "ترفض الحكومة الاتهامات بأنه كان هناك اعتداء ممنهج من قبل القوات البريطانية في العراق".
وأضاف: "إن الجنود البريطانيين هم من أحسن الجنود في العالم ونتوقع منهم العمل حسب أعلى المواصفات وبما يتوافق مع القانون المحلي والدولي. ومن تجربتي فإن الغالبية العظمى من قواتنا المسلحة يلبون هذه التوقعات. وحيث تم الادعاء بأن بعض الأشخاص قد يكون خرق هذه القوانين فإن هناك تحقيقا شاملا في الموضوع."
وما يزيد الموضوع تعقيدا هو أن هناك تحقيق في الموضوع في بريطانيا كما أشار إليه السيد غريف، حيث تقوم خدمة الادعاء العام للجيش وهي المسؤولة عن القضايا المتعلقة بالقوات المسلحة وفريق التهم التاريخية في العراق بالتحقيق في 52 ادعاء بقتل غير قانوني ونجم عنها 63 حالة وفاة والتحقيق أيضا في 93 ادعاء إساءة معاملة ويتضمن 179 شخصا.
ولكن محكمة الجنايات الدولية والتي أنشئت عام 1988 للتحقيق في أكثر جرائم الحرب خطورة ملزمة بحسب لوائحها أن تشرف على التحقيقات التي تقوم بها الدول الأعضاء، وإذا ما اقتنعت بأن المملكة المتحدة تقوم بالتحقيق الدقيق في الاتهامات فلن تتدخل ولكن إن وجدت أنه لم يتم التحقيق في الادعاءات ومحاكمة الجناة بشكل صادق ستقوم المحكمة بإجراء تحقيقها الخاص بها الذي قد يؤدي إلى جر بريطانيا إلى محكمة جرائم حرب.
ولحسن الحظ فإن من يقود فريق التهم التاريخية في العراق هو المستشار الملكي أندرو كايلي الخبير في محاكم جرائم الحرب ولديه خبرة 20 عاما في التحقيق في جرائم الحرب ومحاكمتها بما في ذلك محكمة جرائم الحرب الدولية ليوغوسلافيا سابقا حيث قاد الادعاء ضد الجنرال راتكو ميلاديتش وكان أيضا المدعي العام المشارك في قضية الخمير الحمر في كمبوديا كما شغل منصب مستشار في الادعاء العام بمحكمة الجنايات الدولية. ومن الصعب التخيل أن يتهاون السيد كايلي مع أي عسكري متهم بإساءة معاملة السجناء.
وهو متأكد من أن محكمة الجنايات الدولية لن تجد تقصيرا في التحقيق الذي يقوم به فريقه حيث قال: "نحن نحقق بعمق في كل حالة مذكورة في ذلك الملف .. وإذا تم التأكد من أن المملكة المتحدة تقوم بالتحقيق بشكل صادق في تلك التهم بحيث تصل إلى القضاء فلن تتدخل محكمة الجنايات الدولية" وأضاف أن الادعاء العام الخاص بالقوات المسلحة لن يتردد في محاكمة الجنود البريطانيين إن كان هناك أدلة تبرر ذلك.
ولكن محامي حقوق الإنسان طالما اتهموا فريق التهم التاريخية في العراق بعدم الحيادية وبعدم الدقة ويقولون بأن الأمل الوحيد لتحقيق العدالة للسجناء العراقيين هو من خلال محكمة الجنايات الدولية.
ويذكر أن شركة المحاماة تقاضت 70000 جنيه من وزارة الدفاع لتمثيل 9 سجناء سابقين في تحقيق السويدي وتتوقع الحصول على مبالغ إضافية في قضايا مشابهة لاحقا كرسوم أو نسب من التعويضات.
هناك سبب بسيط لماذا تجد بريطانيا نفسها تسلط عليها الأضواء بسبب تصرفها خلال الحرب بينما لا تعاني أمريكا والتي كان لديها عدد أكبر من الجنود في العراق وواجهت هي أيضا تهما بالتعذيب بما في ذلك أبو غريب، والسبب ببساطة هو أن الولايات المتحدة لم توقع على المحكمة عندما أسست عام 2002.
يقول الكولونيل كمب إنه وخلال 30 سنة من الخبرة لا يتصور أن يتورط
الجيش البريطاني "باعتداءات ممنهجة" ويرى أن تنسحب بريطانيا من اتفاقية محكمة الجنايات الدولية إن أصرت الأخيرة على التحقيق الكامل في جرائم الحرب.
بينما يرى السيد كايلي إن بريطانيا كانت تعرف ماذا تفعل عندما وقعت اتفاقية المحكمة وإنها قادرة على إقناع المحكمة بأن الحكومة هنا تقوم بواجبها نحو الادعاءات وإنه أن ثبت أن هناك جرائم حرب ارتكبت فيجب أن تتم محاسبة المتورطين.