انقضت سبعة أسابيع منذ عبرت شاحنات
الأمم المتحدة المحملة بالمساعدات الحدود التركية إلى
سورية للمرة الأولى؛ وما زال العاملون في مجال الاغاثة في هذه المدينة يجهلون مصير هذه الإمدادات.
اعتبرت القافلة المؤلفة من 78 شاحنة تنقل مواد غذائية وأغطية وأدوية إلى محافظة الحسكة عبر معبر القامشلي؛ اختبارا لمدى استعداد النظام السوري والثوار للالتزام بقرار الامم المتحدة الذي يحث الطرفين على تسهيل عبور
المساعدات للخطوط الأمامية والحدود باستخدام أقصر الطرق.
وتعد مدينة غازي عنتاب التي انطلقت منها القافلة مركزا للأنشطة الانسانية في جنوب تركيا.
ويقول القائمون على أعمال الاغاثة إنه لم يتم إعداد أي قوائم توزيع لهذه الشحنات أو غيرها من العمليات التي قامت بها الامم المتحدة منذ صدور القرار، مما يعرقل مساعي عدد كبير من الجمعيات الخيرية التي تحاول الاشتراك في التخفيف من حدة أكبر أزمة انسانية في العالم.
وقال مسؤول تركي مشترطا عدم نشر اسمه لأن حكومته لم تأخذ موقفا علنيا من هذه القضية: "ما زلنا لا نعرف أين ذهبت (المساعدات) ولسنا مرتاحين لذلك. الأمم المتحدة مقيدة بالنظام" السوري.
وسقط في الحرب السورية أكثر من 150 ألف قتيل وأصبح نحو تسعة ملايين بحاجة لمساعدات انسانية. وزاد القتال من صعوبة توفير المساعدات.
وتقدر الأمم المتحدة أن 3.5 مليون شخص يحتاجون المساعدة يعيشون في مناطق يصعب على العاملين في الاغاثة أو يستحيل عليهم الوصول إليها، بما في ذلك أكثر من 240 ألف شخص تحاصرهم قوات الأسد أو الثوار.
وأرسلت القافلة عبر منطقة حدودية شبه مهجورة خاضعة لسيطرة قوات بشار الأسد بغرض اختبار إمكانية توصيل المساعدات بمقتضى قرار الامم المتحدة. لكن الشكوك لاحقتها منذ البداية فيما إذا كانت المساعدات ستصل إلى من يحتاجونها في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة.
وحسب الشروط التي وضعها النظام السوري، تنتقل الشحنة إلى وكالات سورية من بينها الهلال الأحمر السوري.
وطلبت رويترز من مكتب الامم المتحدة في دمشق معلومات عن التوزيع النهائي للمساعدات في الحسكة، وكان الرد أنه لا يوجد أحد للتحدث في الأمر. ولم يتسن الاتصال بالهلال الأحمر السوري للتعقيب.
والغرض من قرار الامم المتحدة الذي أجمع عليه أعضاء مجلس الامن في فبراير شباط في خطوة غير معتادة في الأزمة السورية هو تيسير وصول المساعدات الانسانية. كما أن القرار هدد باتخاذ "مزيد من الخطوات" إذا لم تلتزم به النظام السوري والمعارضة.
لكن منظمات أهلية دولية تقول إن انعدام الشفافية بشأن شحنات الأمم المتحدة يجعل من الصعب مراقبتها. وكتبت هذه المنظمات لعدد من أعضاء مجلس الامن الشهر الماضي تحذر من أن غياب التنسيق يعني أن المساعدات لا تصل إلى المناطق ذات الاولوية.
وقال مدير المشروعات بإحدى المنظمات الأهلية الغربية طلب عدم نشر اسمه خشية تعريض العلاقات الهشة التي تربط منظمته بالأمم المتحدة للخطر: "لا أعرف ما إذا كان الأمر قد تم على ما يرام أم على نحو سيئ، والامم المتحدة لم تخبرنا بالضبط بمن ذهبت إليهم المساعدات".
وأضاف: "الضرر مضاعف لانه لا توجد محاسبة ولا شفافية ولا تنسيق وطوال الوقت الأسد ينسب الفضل لنفسه (في توزيع المساعدات) ويجرم كل من يعبر الحدود في المناطق الخاضعة للمعارضة".
"منثورة كالبذور"
سلمت الأمم المتحدة شحنات من المساعدات من داخل سورية لبعض المناطق تحت سيطرة المعارضة، كان أحدثها في أحياء بمدينتي حلب وإدلب الشماليتين، لكن الشحنة التي عبرت الحدود متجهة للحسكة هي حتى الآن الشحنة الوحيدة التي عبرت إلى سورية من تركيا.
وتشكو المنظمات الأهلية من أن الامم المتحدة فشلت رغم الطلبات المتعددة حتى الآن في إشراك الآخرين في أسلوبها لتحديد من هم في أشد الحاجة ورصد مصير المساعدات بعد تسليمها. وفي الغالب لا تكشف الامم المتحدة عن طبيعة المواد الغذائية التي تشملها المساعدات.
وتقول المنظمات الأهلية إن ذلك يعقد بلا أي ضرورة التنسيق الفعال بين عشرات الوكالات السورية والدولية العاملة من تركيا، وأغلبها يعمل انطلاقا من مدينة غازي عنتاب في جنوب تركيا.
وقال دومينيك بوين منسق منتدى المنظمات الأهلية في غازي عنتاب الذي يمثل جماعات دولية تعمل في تسليم المساعدات عبر الحدود: "الأمر يبدأ بتنسيق تقديرات الاحتياجات والتنسيق مع المانحين والاستجابة بطريقة منهجية. ونحن نرصد على الفور أين تذهب المساعدات". وأضاف قائلا لرويترز: "الإخفاق في ذلك يمكن أن يؤدي إلى ازدواج الاعمال وتشويه السوق بصورة هائلة".
وقالت جمعية خيرية أوروبية إنها اضطرت لإلغاء شحنة مساعدات متجهة إلى إدلب قبل نحو شهر بعد أن قيل لها قبل يوم واحد أن الامم المتحدة ستقدم مساعدات لتلك المناطق. ولم يكشف مسؤولو الامم المتحدة عن خطة التوزيع التفصيلية.
وقال مدير المشروعات بهذه المنظمة التي تتولى تسليم نحو 30 شاحنة من سلال الغذاء والخبز إلى إدلب وحلب كل شهر: "الأمم المتحدة ليست وحدها. يجب أن تكون جزءا من المجموعة. فنحن جميعا متساوون".
وأضاف طالبا عدم نشر اسمه لتجنب استعداء الأمم المتحدة: "التوزيع ليس مجرد عبور الحدود ونثر المساعدات مثل البذور".
وسلم نايجل فيشر، المنسق الانساني الاقليمي للامم المتحدة ويعمل من الاردن، بأهمية هذه المخاوف. وأكد أن أغلبية المساعدات العابرة للحدود تسلمها المنظمات الأهلية. وقال: "من الواضح أن هذه مشكلة حساسة. فالناس من كل الأطراف تعترف بوجود مشاكل في تطوير برنامج للمشاركة في المعلومات". وقال إن مساعي تبذل لتحسين التنسيق.
خطوة في الاتجاه الصحيح
وفي أواخر الشهر الماضي تجمع أكثر من 100 من العاملين في الاغاثة من الامم المتحدة والمنظمات الاهلية السورية والدولية في غازي عنتاب. وقال المشاركون في الاجتماع إن مشاعر الاحباط من أن الامم المتحدة تضطر إلى طلب موافقة النظام السوري على تسليم الشحنات رغم قرار مجلس الامن الصادر في شباط/ فبراير؛ يمثل مشكلة واضحة يتجاهلها الكل.
وقال يقظان الشيشكلي، مدير جمعية مرام السورية: "فكرة الشحنات عبر الحدود في حد ذاتها ليست خطأ. لكنهم يحتاجون لإذن من النظام وهو لا يسمح لهم بالتسليم في أشد المناطق احتياجا للمساعدات". وأضاف أن الجمعيات الأهلية السورية تحتاج للامم المتحدة لتوجيه الأموال لأن المتبرعين يثقون بالمنظمة الدولية.
وقال فيشر إن الأمم المتحدة تتعاطف بشدة مع هواجس الجمعيات الأهلية.
كما دعت عدة منظمات أهلية الامم المتحدة للمساعدة في التغلب على العوائق الأخرى، مثل العقبات الادارية، بالضغط على الدول المضيفة مثل تركيا التي كان من الضروري الحصول على موافقتها على عبور قافلة الامم المتحدة الحدود في آذار/ مارس.