كتب صلاح الدين الجورشي: أعلنت اللجنة المشرفة على جائزة
نوبل للسلام يوم الأحد الماضي 13 أبريل 2014 قبول ملف ترشيح
الاتحاد العام
التونسي للشغل، وذلك للنظر في إمكانية حصول هذه المنظمة النقابية التونسية العريقة على هذه الجائزة الهامة في رمزيتها وعالميتها.
ويعود سبب الترشيح إلى الدور الهام الذي لعبه الاتحاد في إدارة الحوار الوطني وإنجاحه، وهو الحوار الذي جاء في أعقاب أزمة حادة كادت أن تعصف بمرحلة الانتقال الديمقراطي، وتدخل البلاد في مأزق يشبه في بعض جوانبه السيناريو المصري.
عندما احتد الصدام بين حركة
النهضة التي كانت تقود حكومة الترويكا وبين أغلب مكونات المعارضة، تعددت يومها المبادرات الهادفة إلى تخفيض درجات التوتر، وذلك من خلال التوسط وتقديم اقتراحات عملية من شأنها أن تفتح المجال لتسوية سياسية جدية.
وبالرغم من أهمية تلك الجهود، إلا أنها لم تكسب ثقة جميع الأطراف، ولم ترتق إلى وزن المبادرة التي أعلنت عنها قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل بالاشتراك مع كل من اتحاد الصناعة والتجارة، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وكذلك الهيئة الوطنية للمحامين. ولهذا السبب أصبح يطلق على هذه الهيئة بالرباعي الراعي للحوار.
وقد كان أول ما يلفت الانتباه في تشكيلة هذه المنظمات وجود منظمة رجال الأعمال التي لم تكن تلتق مع النقابات إلا في إطار الصراع والمفاوضات الاجتماعية لتسوية مطالب العمال وتحديد الزيادة في الأجور.
ويعتبر تعاون المنظمتين في مبادرة ذات طابع سياسي، وبدون وصاية من قبل النظام السابق أو الحالي، حدثا وطنيا بامتياز، ستكون أهميته الرمزية والاجتماعية في إقناع الأحزاب التي كانت حاكمة عاملا حاسما في نجاح الحوار الوطني، وهو الحوار الذي أجبر معظم الأطراف على الجلوس حول مائدة واحدة، وأفضى إلى إقناع حركة النهضة بأن تستقيل من الحكومة الحزبية التي شكلتها، وتسلم قيادة البلاد لحكومة تكنوقراط.
كما ساعد الحوار على التعجيل بإنهاء صياغة الدستور في ظل أجواء وفاقية مكنت من تغيير صورة تونس المضطربة والضائعة، إلى صورة بلد ناضج، يعتمد الوفاق كآلية فعالة لإنجاح مساره الانتقالي.
العامل الثاني الذي أثار اهتمام الفاعلين والمراقبين، يتعلق بالتقارب الذي حصل بين الاتحاد العام التونسي للشغل وحركة النهضة، فمنذ أن شكلت الحركة حكومتها الأولى، توترت العلاقة بين الطرفين، واصطدما في أكثر من مناسبة، وهو ما كاد أن يقذف بالبلاد نحو المجهول. ويعود هذا التوتر إلى ثلاث أسباب على الأقل :
أولا : اجتاحت البلاد منذ تصدع النظام السابق، وإلى اليوم موجة من الاعتصامات والإضرابات للمطالبة بتحسين الأجور، وتحسين الأوضاع الاجتماعية والمهنية، ومراجعة السياسات الاقتصادية.
فالتونسيون اعتقدوا ولا يزالون بأن الثورة جاءت لكي تحسن من مستوياتهم المعيشية، لكن حركة النهضة اعتبرت بأن الاتحاد العام التونسي للشغل لم يعمل على إقناع منظوريه بأن البلاد تمر بمرحلة حساسة وهشة، وأن المطلبية العالية لا تفسر من وجهة نظرها إلا بانخراط المنظمة النقابية في " مؤامرة " تهدف إلى إفشال حكومة الترويكا.
وقد بلغ الأمر إلى حد قيام بعض خطباء المساجد بتوجيه اتهامات خطيرة لبعض القيادات النقابية، والطعن في عقيدتهم، وخروج مسيرات ضخمة من بعض المساجد للتنديد بالاتحاد.
كما تم الهجوم على المقر المركزي للاتحاد في ذكرى استشهاد مؤسسه فرحات حشاد في 4 ديسمبر سنة 2012 من قبل عناصر محسوبة على لجان حماية الثورة التي تعتبر قريبة من حركة النهضة، وتم الاعتداء بالعنف على مكتب الأمين العام وعدد من القياديين النقابيين.
ثانيا : تتهم حركة النهضة الاتحاد بكونه قد وقع تحت سيطرة مجموعات من أقصى اليسار، وأن هذه المجوعات قد قامت بتسييس العمل النقابي وتوظيفه لصالح أحزاب المعارضة بهدف إفشال سياسات النهضة، وإظهارها في صورة حركة غير قادرة على إدارة الدولة والشأن العام. وبناء عليه، دعت إلى ضرورة الفصل بين الدور النقابي للاتحاد وبين الدور السياسي الذي أصبح فقط من مهمة الأحزاب وليس المنظمات والجمعيات.
ثالثا : الطعن في مصداقية الاتحاد، حيث تعتقد حركة النهضة بأن المنظمة الشغيلة كانت في المرحلة السابقة، حليفة لنظام بن علي، ولم تدافع عن الحريات في البلاد، خاصة عندما تعرض الإسلاميون للمحاكمات والاضطهاد.
وقد قام نقابيون قريبون من حركة النهضة بتنظيم حملة للمطالبة بما اعتبروه " تصحيحا للمسار النقابي "، وعندما أخفقوا في ذلك، قرر العديد منهم الانسحاب وتأسيس منظمة نقابية خاصة، لكنها لم تنجح في الـتأثير على الأوضاع النقابية ولا السياسية.
رغم هذا الصراع الخطير والذي تحكمت فيه أجواء التوتر وأزمة الثقة، فقد نجحت قيادة الاتحاد في مد الجسور مع قيادة النهضة، والتوصل معها ومع غيرها من الأحزاب إلى حل وفاقي، كان قبل البدء في الحوار مجرد فرضية مستبعدة.
قد لا يحظى الاتحاد العام للشغل بجائزة نوبل للسلام، ولكن المؤكد أن هذه المنظمة التي لعبت أدورا مهمة خلال مناهضة الاستعمار مما كلفها استشهاد زعيمها، مرورا بدورها في بناء الدولة الوطنية، وصولا إلى مكانتها المركزية في المشهد الراهن، تبقى قوة فاعلة من القوى المدنية التي سيكون لها قول في توفير ضمانات نجاح مسار الانتقال نحو بناء نظام ديمقراطي يكون تونسيا لحما ودما.