أجريت مؤخرا
مقابلة مع وزير الخارجية
القطري خالد العطية، وهو رجل في غاية التهذيب والذكاء، وكان في قمة الدبلوماسية عند تناوله لمواضيع المقابلة، التي تمثل ملفات شائكة وعلى درجة عالية من الحساسية والتعقيد، ومعظم التعليقات التي تلقيتها على المقابلة، وهي كثيرة جدا، تحدثت عن هذا الجانب الدبلوماسي في شخصية الوزير، وهذا أمر إيجابي عندما يكون الحديث عن شخصية وزير الخارجية، ولكنه يشير إلى مسألة أخرى واستفهامات تتعلق بشكل السياسة الخارجية لقطر في العهد الجديد، يريد الناس من الفريقين، المتذمر من السياسة الخارجية السابقة لدولة قطر، والمؤيد لها والذي يخشى من تغير هذه السياسة وتبدل مواقفها، يريدون موقفا محددا وواضحا ومباشرا، هل سيتغير الوضع في قطر؟ وهم لا يلامون في سقف توقعاتهم، فقد اعتادوا على جرأة استثنائية ميزت المواقف القطرية في السابق، بمعنى كان أبسط الناس لا يحتاج إلى من يفسر له وجهة المواقف السياسية لقطر، ولهذا أسباب كثيرة لا علاقة لها بمن يعبر عن هذه السياسة، الأمر الآخر الذي لا يمكن إغفاله، أصبح الدور الذي تلعبه هذه الدولة الصغيرة في غاية الأهمية، اختلفت أو اتفقت مع هذا الدور.
لاحظت تكرار حديث الدكتور العطية عن المبادئ الثابتة أكثر من مرة، وهذه إشارة بالغة الأهمية لو انتبهنا، وأظنها تحمل أكثر من معنى، من جهة يشير إلى عدم تبدل في الثوابت، والمقصود بها تلك المواقف التي كانت تنحاز بشكل كبير إلى الرأي العام العربي في أكثر من محطة، والتي جعلت قطر من مصالحها موازية لهذا الخط، وآخرها الموقف من الثورات الشعبية التي شهدناها في الأعوام الثلاثة الماضية، والموقف من المقاومة الفلسطينية، واستحالة انخراط قطر مع منظومة لا تشبه المنطقة وطموحات شعوبها يقودها النظام المصري الجديد القديم، ومن جهة أخرى، هناك إدراك للمتغيرات الجديدة في هذه المنطقة، انقلاب العسكر في مصر والصعوبات التي تواجهها الثورة السورية، وإشكالية الحلفاء، والتناقضات التي يقع فيها من هم في موقع التحالف الحالي، فهم يحاربون استبدادا هنا، أو هكذا يبدو، ويدعمون استبدادا هناك، وهم مشغولون بمحاربة وخصومة وتحطيم الحليف، أكثر من الانشغال بالخصم!، كل هذه الأمور مجتمعة دفعت العطية للحديث عن الثوابت والتركيز عليها، وهو بهذا يلمح إلى شكل مغاير للسياسة الخارجية، مرتبط بطبيعة القائمين عليه، وبالمتغيرات الجديدة، لا يبتعد عن الخط السابق، الذي أطلق عليه الوزير وصف المبادئ الثابتة.
شخصيا، لست حزينا على ما تتعرض له قطر من محاولة تحطيم وتشويه في الإعلام الرسمي العربي، فهذا أمر يخص قطر ولا يخصني، ويمكن أن يتغير كل شيء بمجرد إعلان هذه البلاد توبتها من رجس الانحياز للناس والعقلانية في التفكير، وإعلانها القبول بحكم الاستبداد في مصر والإبقاء على عهد التبعية والطاعة للسيد الغربي ووكلائه، إنما أنا حزين على أحوالنا في هذه الأمة، وكيف أن دولة صغيرة كقطر -محدودة الإمكانيات وإن كانت عظيمة الإرادة- تتحمل لوحدها كل هذه المسؤولية، ومطلوب منها -شعبيا- الوقوف في وجه العودة إلى الماضي في مصر، ودعم الثورة السورية في وجه كل من يقف حجر عثرة أمام نجاحها، ودعم الانتقال الديمقراطي في تونس، ولعب دور إيجابي في اليمن، والإفادة من دور تركيا في المنطقة، ومواجهة الغول الإيراني في العراق ولبنان وسوريا، واحتضان ودعم كل من يتعرض للضيم والجور في بلاده، وتحمل البذاءات التي تسمى إعلاما في مصر، والموازنة مع حلفاء لا يمكن التنبؤ بسلوكهم ومواقفهم، والتعرض لتشكيكنا الدائم ونقدنا الحاد، وأسئلتنا التي لا تتوقف، لست حزينا على قطر، فهي تملك من الفوائض المالية ما يمكنها من شراء كل تلك الأصوات التي تتعرض لها باستمرار، شرط أن تقف على الضفة الأخرى، وتتركنا وحيدين في مواجهة حملات الاستبداد.
إن القضية، كل القضية، ليست قطر، بل الدور الذي تلعبه قطر، وكل ما نتحدث عنه وندافع عنه، هو الدور الذي تلعبه قطر، وليس قطر ذاتها، فهناك ما يمكن أن تنتقده في هذه البلاد، من مسألة الحقوق والحريات والمشاركة وغيرها، ونمط الاهتمام والإدارة المحلية لا يختلف بشكل جذري عن الأمثلة الأخرى، لكنك تلحظ وبشكل جيد الرغبة بالاقتراب من جادة الصواب، والاعتراف بالأخطاء في حال حدوثها، وميلا عاما نحو التماثل مع الناس وكسب رضاهم، داخل الدولة وخارجها، وهذا كفيل بالاحترام والاختلاف أيضا، أما في مسألة السياسة الخارجية، فيلحظ المرء تقديرا عاما لما حدث ويحدث الآن، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
(العرب القطرية)