بينما جعلت العقوبات الدولية الحياة قاسية على معظم
الإيرانيين، كانت فاتحة لرجل الأعمال بابك
زنجاني الذي جنى ثروة بمساعدته حكومة طهران في الالتفاف على القيود المفروضة على مبيعات النفط لكنه في الوقت نفسه اكتسب أعداء.
كان زنجاني يرتدي في معصمه ساعة ثمنها 40 ألف دولار، ويملك ناديا لكرة القدم في طهران على سبيل التسلية.
وفي الخريف الماضي، قال إنه كان يقوم برحلات مكوكية بطائرات خاصة لحضور اجتماعات هنا وهناك ليجهز لصفقات نفطية بمليارات الدولارات، من خلال شبكة شركات تمتد بين تركيا وماليزيا وطاجيكستان ودولة الإمارات العربية المتحدة.
وقال زنجاني للمجلة الإيرانية "آسمان" إن "هذا عملي.. أقوم بعمليات لإفشال العقوبات".
وقال زنجاني (39 عاما) لـ"آسمان" إنه خلال فترة الرئيس الإيراني المحافظ السابق محمود أحمدي نجاد، قام بعمله بصورة جيدة مما أكسبه ثروة بلغت عشرة مليارات دولار، وإلى جوارها ديون بنفس الحجم حتى اعتقاله أواخر الشهر الماضي.
وهو الآن محتجز في سجن "إرفين" سيء السمعة بطهران بتهمة "مدين للحكومة" - تحت قيادة الرئيس حسن روحاني الذي تسلم الرئاسة في آب/ أغسطس 2013 - بأكثر من 2.7 مليار دولار عن صفقات نفط بيعت نيابة عن وزارة النفط.
ولم تكشف حكومة روحاني التي أبرمت اتفاقا مرحليا مع الغرب لتخفيف بعض العقوبات مقابل تقييد لأنشطتها النووية عن اتهامات محددة محل التحقيق.
لكن قبل يومين من اعتقال زنجاني، كتب روحاني لنائبه الأول مطالبا بمعاقبة المنتفعين من العقوبات.
ووقت اعتقاله، قال متحدث قضائي إنه "تلقى أموالا من أجهزة بعينها (...) وتسلم نفطا وشحنات أخرى ولم يرد الأموال إلى الآن"، وأنه سيتم التعامل مع أي انتهاكات بعد التحقيق.
وينفي زنجاني دوما ارتكابه أي مخالفات، ويقول إنه حاول أن يقدم خدمة لبلده.
ولم يرد على الفور مكتبه على طلب التعليق.
ويقول محللون إن علاقات زنجاني مع كبار المسؤولين في حكومة أحمدي نجاد والحرس الثوري - وهو جناح قوي في الجيش له مصالح كبيرة في قطاع الأعمال - جعلت منه هدفا سياسيا.
وقال الخبير بشؤون إيران والاقتصاد في جامعة ديكارت بباريس، فريدون خواند، إن "وصول الحكومة الجديدة لعب دورا كبيرا في سقوط زنجاني".
مسألة زنجاني والقضية الأوسع وهي
الفساد، تحولت إلى حرب فصائل بين الإصلاحيين من جانب والمحافظين من جانب آخر.
لم يكن صعود زنجاني من تاجر عادي إلى وسيط يملك مليارات الدولارات بالنسبة لعدد كبير من الإيرانيين قصة انتقال ملهمة من الفقر إلى الثراء، بل كانت دليلا على تفشي المحسوبية.
وقال صاحب مصنع في طهران شارحا ما وراء هذا "النمو غير الطبيعي" لرجل الأعمال إن "هذا ليس مجرد فرد، إنها مجموعة، وزنجاني مجرد واجهة".
أما المجموعة التي وفرت لزنجاني فرصته الكبرى فهي الحرس الثوري الذي وسع نفوذه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي تحت رئاسة أحمدي نجاد، ولعب دورا كبيرا في انتخابات عام 2009 وقمع الاحتجاجات، بعد أن زعم اثنان من المرشحين الإصلاحيين المهزومين أن الانتخابات زورت.
ووضع الاثنان منذ ذلك الوقت رهن الإقامة الجبرية.
وفي عام 2010، ساعد زنجاني شركة "خاتم الأنبياء"، وهي واحدة من أكبر الشركات التي يسيطر عليها الحرس الثوري في التهرب من عقوبات مالية.
وقال زنجاني إنه و"في العام التالي حين أصبح رستم قاسمي -وهو قائد كبير سابق في الحرس الثوري- وزيرا للنفط طلب منه أن يبيع النفط ويحول المال إلى إيران".
وقال النائب الإصلاحي السابق في البرلمان الإيراني اسماعيل جيرامي مقدم إن "زنجاني حل مشاكل الحرس الثوري وشركة خاتم الأنبياء إلى حد ما".
واذا كان قُرب زنجاني من الحرس الثوري قد جعل الإصلاحيين يشعرون بعدم الارتياح، فهذا أكسبه النزاع السياسي الذي حدث في شباط/ فبراير من العام الماضي، عداء صريحا بين بعضهم حين اتهم أحمدي نجاد شقيق رئيس البرلمان علي لاريجاني -وبينهما خصومة قديمة- بعرض خدمات سياسية مقابل التعرف على زنجاني للقيام بمشاريع تجارية.
ونفى شقيق لاريجاني التهمة واتهم خصوم أحمدي نجاد رجال الأعمال زنجاني بالتواطؤ ومحاولة تشويه سمعة لاريجاني وأسرته.
وفي أواخر كانون الأول/ ديسمبر 2013، كتب نحو 12 برلمانيا غالبيتهم من منتقدي الحكومة السابقة خطابا للرئيس ورئيس البرلمان ورئيس السلطة القضائية، اتهموا فيه زنجاني ببدء اتفاق غير قانوني قيمته 5.4 مليار دولار، وطالبوا بأموال صفقات نفطية لصالح وزارة النفط وتوجيه اتهامات فساد لزنجاني.
واعتقل زنجاني بعد ذلك بأيام، وخلال أسبوع اعتقل أيضا احد كبار مساعديه.
وقال خواند: "سيستخدم الفصيل المؤيد لحكومة روحاني اعتقال زنجاني كوسيلة لكشف ملفات تستخدم ضد معارضيهم".
وإذا كان زنجاني أصبح هدفا سياسيا، فقضيته تحولت الآن إلى موجة غضب من فساد مزعوم للحكومة السابقة وسوء ادارتها للاقتصاد.
ويقول خواند إن زنجاني مؤشر على وجود مشكلة أكبر.
وأضاف أنه "من الخطأ اختزال قضية الفساد في الجمهورية الإسلامية في زنجاني ومن هم على شاكلته، حيث سمح الهيكل الاقتصادي لإيران إلى جانب الهيكل السياسي والافتقار إلى صحافة حرة بانتشار جذور الفساد على نطاق واسع".