الفلسطينيون تابعوا لحظات الإفراج عن سامر
العيساوي ومعهم شعوب العالم ليروا ملامح هذا الرجل الذي اعجز الاحتلال، متحديا سجانه بأمعائه الخاوية، والذي خاض أطول إضراب عن الطعام في تاريخ البشرية وصل تسعة أشهر.
العيساوي، وهو يسجل اسمه وبصمته في تاريخ النضال الفلسطيني، اعتبره البعض بأنه أطلق شعلة أمل لبزوغ الحرية للمظلومين والمضطهدين، وأصبح بطلا وأسطورة عند الكثيرين.
واعتبر نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير قيس عبد الكريم في حديثه لـ"عربي21"، أن إطلاق سراح العيساوي انتصارا جديدا للحركة الأسيرة الفلسطينية بكافة مكوناتها، مشددا على أن قضية الأسرى ستبقى حاضرة إلى أن يتم إطلاق سراح كافة الأسرى من سجون الاحتلال.
وأضاف "أن سلطات الاحتلال سعت حتى اللحظة الأخيرة للانتقاص من الانتصار الكبير الذي حققه الرفيق سامر العيساوي من خلال الاقتحامات المتكررة لمنزل عائلته في بلدة العيساوية بالقدس المحتلة ومحاولات منع إقامة الاحتفالات بمناسبة إطلاق سراحه من سجون الاحتلال ، إضافة للمماطلة في إطلاق سراحه."
وأشار النائب أبو ليلى إلى "أن الانتصار الذي حققه البطل العيساوي يعلمنا كيف يكون النضال والصمود، ومدى البراعة في أدارة المفاوضات تحت أصعب الظروف ، حيث أن العيساوي أسس لمنهج نضالي من خلال صموده الأسطوري في معركة الأمعاء الخاوية التي تجاوزت كل حدود."
بدوره قال المحلل السياسي د. أيمن يوسف لـ"عربي21"،أن "تجربة سامر العيساوي ونضالاته السلمية الراقية تذكرني بالمهاتما غاندي، الأب الروحي والسياسي للهند المعاصر والبطل الوطني الذي قاد البلاد على مدار أكثر من ثلاثين عاما للاستقلال عن المستعمر البريطاني في عام 1947، ومعروف أن إستراتيجية غاندي في النضال والمكافحة ضد العدو الخارجي اعتمدت على إستراتجية استفزاز الخير في قلب ونفس المظلوم لتنتصر على الشر المختزل في داخل المستعمر الظالم." وأضاف "على الفلسطيني في ربوع الوطن والشتات التوثيق لهذه التجربة النضالية الرائعة والراقية والتي تحمل في طياتها وبين ثناياها الكثير من العبر والدروس والصبر وقوة الإرادة التي انتصرت على جبروت السجن المظلم."
ودعا إلى توثيق تجربة العيساوي بقوله: "أتمنى أن نقوم نحن الأكاديميين بالشراكة مع المؤسسات السلطوية المعينة مثل وزارة الأسرى أو شؤون الأسرى ومنظمات المجتمع المدني بالتوثيق لهذه التجربة التحررية من قيود الظلم والاستبداد، على أن يكون الهدف النهائي التأسيس لمفهوم: التحرير والتنمية والسلم الأهلي والكرامة الوطنية في سلة إستراتيجية واحدة لمجابهة الظالم والاحتلال المتعال في ارض فلسطين."
واعتبر مدير مركز حريات حلمي الأعرج في حديثه لـ"عربي21"، أن العيساوي أرسل رسالة تحد وأوقد شعلة أمل بتحرر الشعب الفلسطيني وأسراه من الاحتلال. مشيرا إلى عملية التكامل التي برهنها الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه ومؤسساته بتضامنه مع العيساوي والوقوف إلى جانبه.
وأضاف الأعرج الذي كان متابعا لحالة العيساوي، أن العيساوي لم يقدم تنازلات للاحتلال مقابل الإفراج عنه، وإنما هي ذات الإجراءات التي كانت في صفقة تبادل الأسرى-شاليط.
وحول وضعه الصحي، قال أن إرادته القوية تغطي على أوجاعه وأمراضه التي نتجت عن اعتقاله الأخير.
وكان العيساوي كشف برسالة أثناء إضرابه عن الطعام، أن المفاوضات التي حدثت معه من قبل وفود التفاوض
الإسرائيلية بإشراف مختصين في عمليات التفاوض ومن الشاباك كانت مضنية إلى حد كبير، واستمرت أياما.
وقال: "لكني لم أمل، فكان أول عرض أن يتم إبعادي إلى غزة لمدة 10 سنوات، وكان هناك رفض قاطع من قبلي ومن ثم عرض علي الإبعاد إلى أي دوله أختارها، فقلت لهم إن فكرة الإبعاد لن اقبل بها."
وأضاف "فرفضت الخضوع للاحتلال وابتزازه ورفضت إن أكون جسرا يتم المرور عليه ورفضت التخلي عن دماء الشهداء الذين سقطوا لأجل تحرير الأسرى وأهات الجرحى، فمجرد رفضي الإبعاد كان بالنسبة لي انتصاري الأول على الاحتلال لان الإبعاد يعيد للأذهان عملية التهجير ألقصري الذي حدث للفلسطينيين عام 48 وعام 67، ونحن ألان نناضل من اجل تحرير الأرض وعودة المهجرين وليس إضافة مبعدين آخرين."
واتفق الباحث في مؤسسة التضامن لحقوق الإنسان احمد البيتاوي في حديثه لـ"عربي21" أن الإفراج عن العيساوي هو انتصار لعموم الحركة الأسيرة، "وانتصار الإرادة الفلسطينية على آلة القمع الإسرائيلية، وهو دليل على أن الاحتلال بكل ما لديه من إمكانيات لمن يستطع هزيمة فلسطيني قاومه بأمعائه الخاوية، وهو دليل أيضا على أن الحقوق تنزع ولا توهب، وانتصار العيساوي هو حلقة في سلسلة سبقه من قبل الشيخ خضر عدنان وعدد من الأسرى الإداريين؛ المطلوب طول نفس وصبر حتى تحقيق انجازات، فالعيساوي انتصر بعد أن صبر واستمر في أطول إضراب عن الطعام في التاريخ الحديث."
وكان الاحتلال الإسرائيلي أدان العيساوي بإطلاق النار على حافلة إسرائيلية في عام 2002، وأفرج عنه في عام 2011 جنبا إلى جنب مع أكثر من 1000 أسيرا فلسطينيا في صفقة تبادل الأسرى مع الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.
وأعاد الاحتلال اعتقاله في يوليو الماضي بزعم انه انتهك شروط الإفراج عنه عن طريق العبور من "
القدس الشرقية" إلى الضفة الغربية، وكان ينوي الاحتلال إكمال الحكم الصادر بحقه والإفراج عنه عام 2029.
ويعتقل الاحتلال نحو 5000 أسيرا فلسطينيا. وافق مؤخرا على إطلاق سراح 104 منهم بموجب التفاهمات التي ترعاها الولايات المتحدة التي مهدت الطريق لإحياء محادثات السلام.