أثار غياب الرئيس الإيراني الأسبق محمد
خاتمي عن حضور مراسم تأبين نيلسون
مانديلا في جوهانسبورغ في الحادي عشر من كانون الاول/ديسمبر شكوكا كبيرة لدي، لأن خاتمي أعلن نيته المشاركة في المراسم.
إضافة إلى ذلك، قال على أكبر ولايتي، وزير الخارجية الإيراني السابق، والمستشار البارز لآية الله خامنئي للصحافيين إن مانديلا خلال زيارته لإيران لم يكن ينادي آية الله خامنئي، سوى بـ«بقائدي». ربما لم يضع ولايتي أدب ونهج مانديلا الخاص بعين الاعتبار، لأن مانديلا اعتاد تلقيب كل الرؤساء بـ«رئيسي». على سبيل المثال، أذكر أن الراحل ياسر عرفات كان يستخدم على الأغلب كلمة «سيدي» في محادثاته معي عندما كنت ألتقيه. على أي حال، اعتقدت في البداية أن خامنئي يريد أن يرسل مبعوثا خاصا إلى جنوب أفريقيا.
لكن آية الله خامنئي لم يوفد مبعوثه لحضور مراسم تأبين مانديلا، كما لم يشارك الرئيس روحاني أيضا، ونفس الأمر تكرر مع خاتمي، لذا ما الذي جرى؟
عندما اكتشفت السبب الرئيس وراء تخلف خاتمي عن حضور مراسم تأبين مانديلا اندهشت من التجاهل العميق والعجرفة التي أصابت الحكومة الإيرانية. وكي أكون أمينا، أنا أدرك أن هناك فجوة ضخمة بين نظام الحكم في إيران وميراث نيلسون مانديلا. وفي إيران حظر على الرئيس الأسبق خاتمي الخروج من إيران، بسبب انتقاده انتخابات يونيو (حزيران) عام 2009.
كان واضحا أن الانتخابات لم تكن حرة ونزيهة، وأنها أديرت ونظمت من قبل قوات الجيش والأمن. وخلال السنوات الثلاث الأخيرة، بداية بسجن كروبي وموسوي وراهناوارد، انتقد خاتمي ما يتعرضون له علانية. كان لخاتمي أسلوب واضح، فلم يستخدم كلمات صعبة وقاسية، لكننا إذا فكرنا بشأن المعاني العميقة لكلماته، سوف ندرك أنه وضع يده على المشكلة الرئيسة.
إنها قضية ضخمة، لماذا لم يرغب خامنئي في دعم خاتمي؟ إضافة إلى ذلك، لماذا منع النظام القضائي أو قوات الأمن خاتمي من السفر إلى جنوب أفريقيا؟
دعوني أركز على تاريخ هذه القضية، قبل أربع سنوات تقريبا، أصبنا بالصدمة عندما علمنا بإلغاء رحلة خاتمي إلى اليابان في نيسان/أبريل 2010.
وقال مساعده: «لم يتمكن من القيام بالرحلة لأنه علم من المسؤولين الأمنيين بفرض حظر على سفره».
لكن محامي الرئيس الأسبق - علي زادة طبابايي - قال إنه لا يوجد قرار بمنعه من السفر، لكنه تلقى «نصيحة» من مسؤولين بعدم القيام بهذه الرحلة.
وقال طبابايي: «لم يصدر أمر يمنع خامنئي من مغادرة البلاد. لكن إلغاء زيارته إلى اليابان جاء في أعقاب نصيحة من هيئات حكومية (معينة)».
وجهت الدعوة لخاتمي لحضور المؤتمر، الذي أقيم في مدينة هيروشيما اليابانية، لكن عدم حضوره دفع رئيسي وزراء كندا والسويد السابقين إلى إصدار بيان احتجا فيه على منع خاتمي من السفر وطالبا الرئيس محمود أحمدي نجاد برفع القيود عن سفره.
وقال رئيسا الوزراء السابقان: «نحن نعترض بشدة على فرض قيد على حريته. فالحوار العالمي وتبادل المعرفة يشكلان عنصرا مهما في قضية نزع السلاح النووي لأن إيران مشارك رئيس في هذا النقاش».
وقد قيل إن قوات الأمن أرسلت في هذا الوقت برسالة إلى خاتمي تعلمه بمنعه من السفر. وهنا أود التركيز على عدد من النقاط.
الأولى: يبدو أن خامنئي اعتقد أن سفر روحاني أو خاتمي في حفل تأبين مانديلا سيشكل فرصة مناسبة لوسائل الإعلام الاجتماعي للتركيز على إيران. فقد أعلنت بعض الصحف الإصلاحية في وقت سابق أن روحاني وأوباما قد يلتقيان في جوهانسبورغ.
الأمر الثاني: في مجال تأثير محمد رضا شاه، كانت هناك فترة شهر عسل بين شاه ورئيس التحرير ومؤسس صحيفة «كيهان». في كل يوم أربعاء كان شاه يرتب موعدا للقاء مصباح زادة في قصره. وكانت هناك أقاويل بأن مصباح زادة سيكون رئيس الوزراء القادم. وذات يوم تمت دعوة مصباح زادة إلى شمال إيران لزيارة مدينته، وتجمع عدد ضخم من الأفراد في الميدان الرئيس وشوارع مدينة راشت لرؤيته. عاد مصباح زادة إلى طهران، لكن لم يعد هناك أي إشارة إلى لقاءاته الأسبوعية بالشاه. ولدى سؤاله عما كان يحدث في لقاءاته الأسبوعية مع الشاه، وعندئذ أدرك أن مظاهرة ضخمة في راشت كانت السبب الرئيس في وقف هذه اللقاءات؛ لأن الشاه لم يحب أي شخص آخر يدعمه الناس بناء عن أفكاره ومثله، كانت واحدة تكفي، وكانت الواحدة هي الشاه نفسه.
ولذا عندما يصف جلال الدين الرومي الجمال الفريد للطاووس يقول: «إن ريش الطاووس عدوه، وكم من ملك قتلته عظمته!»، (المسناوي: الجزء الأول، صفحة رقم 208).
ولدى إدوارد سعيد، المفكر الفلسطيني العظيم عبارة ذات مغزى، فيقول: «الغرب وما سواهم»، فالغرب لا يرى سوى نفسه فقط، وكل الشرق هم البقية، لأنهم يعتقدون أنهم مركز العالم والكون. ومن ثم لا توجد مساحة لآخرين. هذا لا يقتصر على الغرب فقط. هذا في طبيعة البشر، فهو - هي تحب أن تكون مركز الاهتمام. ومن ثم إذا كان لدى الشخص القدرة أو الإمكانية على الاقتراب من المركز، ينبغي أن يخرج من الدائرة، ولعل ذلك كان السبب في عدم ذهاب خاتمي إلى جوهانسبورغ.
صحيفة الشرق الاوسط (23 كانون الأول/ديسمبر 2013)