كتب المعلق الأمريكي المعروف ديفيد إغناتيوس مقالا في صحيفة "واشنطن بوست" عن توجه سياسة
أوباما الخارجية قائلا إنها تقوم على مبدأ ميكافيلي – براغماتي.
وحلل في المقال مواقف الإدارة الأمريكية مطلقا عليها أسماء مختلفة، فهي "دبلوماسية سرية" في
إيران، و"دبلوماسية التردد" في سورية، و"دبلوماسية المكعب السحري" في فلسطين. وسلط إغناتيوس الضوء على الخلافات الأمريكية مع دول
الخليج والتردد حيال مصر والتعاون أخيرا مع أصدقاء الانقلابيين في الإمارات والسعودية.
وجاء في المقال أن "آلة الدبلوماسية السرية كات مثيرة للدوار، وأحيانا مفقدة للتوازن. فقد فتح الرئيس أوباما ووزير الخارجية جون كيري الباب أمام تسوية صراعات مستعصية، ولكن تحركات الإدارة، خاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط كانت مفاجئة وغير عاطفية على نحو يجعل من وجه ميكافيلي نفسه يبدو محمرا".
ويقول إن "الاتفاق النووي الإيراني كان المثال الأكثر إثارة للدهشة، وهو يظهر استعدادا أمريكيا للتحاور مع الأعداء. ففي خطابه أمام مركز سابان في واشنطن الأسبوع الماضي، عبر أوباما عن هذه الحالة عندما قال إن الجهود تستحق التجربة لمعرفة ما إذا كانت رغبة إيران في امتلاك السلاح النووي يمكن اختبارها عبر الدبلوماسية. وأعطى أوباما مناورته هذه نسبة 50 بالمئة من النجاح؛ وبالنظر إلى أن الحرب هي البديل المحتمل، فيمكن القول إن مراهنة أوباما معقولة".
ويضيف إغناتيوس إن "الإسرائيليين الذين تحدثت معهم بعد الإتفاق عبروا عن إعجابهم (إن لم يكونوا مقتنعين) بمقاربة أوباما الجافة الدقيقة التي يرمي من خلالها إلى فحص نوايا الإيرانيين. وسنعرف في العام المقبل إن كان أوباما قد عنى ما قاله فعلا، عندما صرح بأن صفقة غير جيدة (أي لا تؤكد أن البرنامج الإيراني سيبقى سلميا للسنوات القادمة)، قد تكون أسوأ من عدم وجود صفقة من الأصل".
ويتابع إغناتيوس: "الأمر المثير للإعجاب بالنسبة للجهود التي بذلت في الملف الإيراني هو بقاؤها كل هذه المدة في السر، إذ أن عمليات جس النبض تعود إلى عام 2012 عندما كانت هيلاري كلينتون وزيرة للخارجية، وكان محمود أحمدي نجاد رئيسا لإيران.
وقد قدم سلطان عمان آنذاك "قنوات سرية للتفاوض، فيما تم تسريع الاتصالات السرية عندما انتخب حسن روحاني رئيسا في حزيران/ يونيو الماضي، وحظيت المحادثات بمباركة من مرشد الثورة الإيرانية على خامنئي".
وبنفس السياق تبنى "كيري فكرة "المكعب السحري" أو مكعب روبيك فيما يتعلق بالمشكلة الإسرائيلية – الفلسطينية، فقد حمل معه للطرفين فكرة، كانت في أساسها عملية: إبدأوا عملية الانتقال لوضع الدولة الفلسطينية من الآن وإلا ندمتم فيما بعد".
وفي سورية يقول إن "مراقبة تقلبات الإدارة فيما يتعلق بسورية لم تكن مشجعة بدرجة كبيرة، فقد نأى أوباما ولأكثر من عام عن برنامج لتدريب وتسليح المعارضة المعتدلة. فلو أنه قام باتخاذ القرار الصحيح في منتصف عام 2012 لكان وضع المقاتلين أحسن، ولوصل عددهم إلى حوالي 10 آلاف ممن تلقوا تدريبات من سي آي إيه، والذين كان بإمكانهم التصدي للقاعدة ومنعها من السيطرة على وادي الفرات. أما الآن وفي ظل اهتزاز المعارضة المعتدلة وتصاعد القاعدة، فقد قرر أوباما العمل مع السعوديين والجبهة الإسلامية".
ويضيف الكاتب: "إذا أخذنا بعين الإعتبار الخيارات الكئيبة المتوفرة، فمراجعة لسياسة سورية كانت ستفهم لو كانت ستدفع الإسلاميين نحو الإعتدال وقبول تسوية سياسية، لكن هذا التحول لا يتطابق مع مواقف الإدارة الأخرى ذات العلاقة مع سورية، مثل العمل مع
روسيا لتفكيك الترسانة الكيماوية السورية، ودعمها لمؤتمر جنيف-2 في كانون الثاني/ يناير للتخطيط لعملية الانتقال السياسي (او حتى تنظيم معابر آمنة لنقل المواد الإنسانية في هذا الشتاء).
وينقل إغناتيوس ما قاله المعارض سمير التقي من أن الأسد وجيشه لن يكونا قادرين على التصدي للقاعدة. ويرى أن أحسن سلاح ضدها هو حركة سنية مسلحة متصارعة معها، كما فعلت أمريكا في العراق.
ويختم الكاتب مقاله بالحديث عن سياسة أوباما في مصر، حيث يرى إن إدارة أوباما تعاملت مع حكومة الإخوان المسلمين، ولم تتخذ القرار "الواقعي"إلا منذ فترة عندما قررت التعاون مع أصدقاء النظام الجديد (السعودية والإمارات) لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وإمكانية العودة إلى الحكم المدني.
ويقول إن "السياسة الواقعية تواصل رحلتها هنا في ممالك النفط الخليجية، فالسعوديون والإماراتيون غاضبون من قرار أوباما الانفتاح على إيران والتردد في سورية، ويهددون بالتمرد على التحالف الطويل مع الولايات المتحدة. ومع أن أوباما ملَّ من غطرسة السعودية، لكنه اختار مرة أخرى التصالح والدبلوماسية، فقد طمأن وزير الدفاع تشاك هاغل عرب الخليج، وذكّرهم بما تنفقه الولايات المتحدة لحماية أمنهم".