لن تكون نهاية هذا العام على ما يرام بالنسبة للرجال الثلاثة من العائلة
السعودية الحاكمة الذين انتشرت بصمات أصابعهم حول كل ما يتعلق بالانقلاب العسكري في مصر: الأمير بندر، رئيس الاستخبارات الحالي، والأمير مقرن، رئيس الاستخبارات السابق والذي يأتي في المرتبة الثالثة بين من ينتظرهم العرش، وخالد التويجري، رئيس الديوان الملكي والحارس على باب الملك.
يتعرض بندر لنقد ناعم وغير مباشر في الصحافة السعودية. فحينما ذكر الكاتب والصحفي السعودي "الواصل" في صحيفة الحياة أن "رجال الاستخبارات المحليين والدوليين" لم يعودوا قادرين على تغيير التاريخ ولا على إقامة الدول أو صناعة الزعماء الجدد، فهم الكثيرون من قرائه أنه إنما كان يقصد بندر.
ختم جمال خاشقجي مقالته بالقول: "من الخطأ معاندة قوة التاريخ بوهم أن الأقوياء يستطيعون عقد الصفقات وتخطيط المستقبل بعيداً عن الشعوب التي سمحت انقساماتها وقلة خبرتها بالديموقراطية في أن تعبث بها القوة المتماسكة محلياً وإقليمياً ودولياً، إلا أنها لا تزال في حال سيولة وغليان أحياناً. إنها تعرف ما تريد، ولكنها مرتبكة حياله، ولن تقبل بالتأكيد بفاتح يأتيها على حصان أبيض، يقودها نحو فجر مشرق جديد... لقد انتهى عصر الرجل الواحد."
هذا كلام قوي، ويعتبر بالمعايير الصحفية السعودية كلاماً مباشراً. يعكس هذا الكلام حالة عدم الرضى لدى الدوائر المتنافسة داخل العائلة السعودية الحاكمة عن السياسات التي يتحمل المسؤولية عنها بندر ومجموعته، بمن فيهم وزير الخارجية الحالي؛ إذ لم تثبت أي سياسة من هذه السياسات نجاحها.
فمصر، التي كان من المفترض أن تكون الأوضاع فيها قد استتبت والأمور قد هدأت ما تزال في حالة غليان. ولنأخذ على سبيل المثال تقييم الوضع في مصر من قبل إتش إيه هيلر، المحلل السياسي المقيم في القاهرة والتابع للمعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، والذي كان من أشد منتقدي الرئيس مرسي لما اعتبره إخفاقاته أثناء فترة رئاسته، إذ يصف هيلر الأحداث منذ انقلاب يوليو (تموز) بأنها أعنف ما شهده تاريخ المصر الحديث من قمع تقوده الدولة ضد المصريين.
إن القمع في مصر باهظ التكاليف على المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة اللتين تنفقان على الدولة المشلولة في مصر. ومؤخراً، وخلال زيارة قام بها رئيس الوزراء المصري حازم البلباوي إلى الإمارات، فجر الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس وزراء الإمارات، قنبلة حين قال إن الدعم العربي لمصر لن يستمر طويلاً. ولعل هذا ما دفع البعض إلى وصف آخر دفعة مساعدات إماراتية قيمتها 3.9 مليار دولار بأنها أشبه ما تكون بعملية نقل دم إلى مريض لا يتوقف عن النزف.
ومن المؤكد أن "السعودة" - أي محاولة تخفيض معدلات البطالة المحلية من خلال خفض أعداد العمال الأجانب الذين يقدر عددهم بتسعة ملايين إنسان - لن تحل مشاكل الديون في مصر.
لقد غادر المملكة حتى الآن مئات الآلاف من العمال إثر شن السلطات السعودية حملات تسفير مكثفة على العمال الأجانب غير الحاصلين على إقامات سارية المفعول. فيما تمخضت إجراءات القمع السعودية عن مقتل ثلاثة عمال إثيوبيين في صدامات حدثت في الرياض. من المثير للاهتمام هنا أن حوالي 700 ألف مواطن مصري، أي حوالي 25 بالمائة من كامل تعداد العمالة المصرية في السعودية البالغ 2.5 مليون، هم أيضاً مهددون بالطرد، وهؤلاء يشكلون مصدرا للعملات الأجنبية التي يعتبر اقتصاد مصر في أمس الحاجة إليها؛ وكانت هذه الحاجة الماسة هي أحد أسباب سكوت مرسي على دور دول الخليج فيما رآه محاولات فعالة لإفشاله خلال عامه الأول في الرئاسة.
ولكن مصر ليست الجبهة الوحيدة التي لم يوفق فيها بندر! فإذا كانت المملكة العربية السعودية بذلت جهداً قليلاً لإخفاء امتعاضها حينما اختار الرئيس أوباما ألا يقصف قوات بشار الأسد في سوريا بعد الهجوم بالأسلحة الكيماوية على إحدى ضواحي دمشق، فإن التفاؤل الذي يحيط بمحادثات الدول الست مع إيران في جنيف يعتبر أسوأ بكثير بالنسبة للمملكة.
كما أن الدعم السعودي للانقلاب العسكري في مصر أثر على العلاقات مع لاعب إقليمي مهم آخر هو تركيا، حيث يوجد نموذج حي لنجاح الإسلام السياسي في دولة علمانية. ولذلك فقد كان حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا داعماً أساسياً للرئيس مرسي وأيضاً لتونس التي ما يزال ائتلاف حكومي يقوده الإخوان فيها يناضل بصعوبة. وقد كان من نتائج القرار مساندة السعودية للانقلاب في مصر دفع تركيا باتجاه إيران، الخصم اللدود للرياض. حتى أن الرئيس التركي عبد الله غول دعا نظيره الإيراني حسن روحاني للقيام بزيارة رسمية إلى تركيا، ويؤكد ذلك ما ذهب إليه وزير الخارجية الإيراني المعتدل جواد ظريف حين وصف العلاقات الإيرانية التركية بأنها "عميقة الجذور وأخوية".
وإضافة إلى ما سبق، فقد أفرزت الحرب التي يشنها بندر على الإسلام السياسي تداعيات كان لها وقعها على حدود السعودية المضطربة مع اليمن. فالرغبة السعودية الجامحة في الحد من تقدم حزب الإصلاح الإسلامي في اليمن دفعت بالسعوديين إلى دعم المليشيات الحوثية التي كان السعوديون من قبل في حرب معها. ويذكر ضمن هذا السياق بأن الزعيم الحوثي البارز صالح هبرة نقل بالطائرة عبر لندن لكي يلتقي برئيس الاستخبارات السعودي.
عدم الرضى في الداخل وعدم الرضى في الخارج يلتقيان عند نقطة واحدة، ألا وهي أن المجموعات المتنافسة داخل العائلة السعودية الحاكمة تتسابق على كسب ود الملك وعلى الخلافة على الحكم. في الوضع الحالي، ولي العهد هو الأمير سلمان الذي يعقتد بأنه يعاني من الخرف، وكان تعيينه في ولاية العهد قد جاء بناء على ترشيح الملك نفسه، ولكنها المرة الأخيرة التي يتمكن فيها الملك من ترشيح خليفة له، وإذا ما انتقل العرش إلى سلمان فإن ولي عهده سيرشحه كيان يطلق عليه اسم "هيئة البيعة".
وهذا الكيان بات يفضل أحد المنافسين لمجموعة بندر، وهو الأمير أحمد أصغر أعضاء مجموعة الإخوة السديريين سناً، والذي يبدو معارضاً لتوجه مجموعة بندر في
السياسة الخارجية السعودية. ولتجنب ذلك، فقد ذهبت مجموعة بندر تحاول بكل وسعها إقناع الملك باستبدال سلمان بمرشحهم لولاية العهد الأمير مقرن.
في الماضي كانت المؤامرات والدسائس المتعلقة بالسياسة الخارجية السعودية يغلفها الكتمان والحذر وتجري من وراء ستار، أما الآن فقد أصبحت عدوانية وعلى المكشوف. لعل مثل هذه المؤامرات والدسائس وليدة نظام ملكي مستبد عفى عليه الزمن أكثر ما يشغله هو الصراع على من يخلف الملك!
عن جريدة الجارديان البريطانية