بدأ الآلاف من أهالي العاصمة طرابلس، أمس الجمعة، بالأعلام البيضاء واللافتات المنددة بالمليشيات المسلحة، مظاهراتهم انطلاقا من المساجد الكبيرة، والتي سرعان ما تحولت إلى حرب دامية لم تشهدها طرابلس منذ ثورة فبراير/ شباط 2011 التي أسقطت نظام معمر
القذافي. وخلفت الاشتباكات إلى ساعة كتابة هذا التقرير اليوم السبت، 43 قتيلاً وأكثر من 460 جريحًا.
وقصة التظاهر والزحف نحو مقرات المليشيات المسلحة في أحد أحياء طرابلس، بدأت بعدما دعا ائتلاف شعبي يسمى "المبادرة الوطنية لإخلاء طرابلس من التشكيلات المسلحة" للتوجه إلى مقرات المسلحين، بشكل سلمي ومطالبتهم بالخروج من مدينتهم، وهو ما أيده المجلس المحلي لمدينة طرابلس ليلة الخميس معلناً تخوفه من حدوث أي تصادم بين المتظاهرين والمسلحين المتحصنين في قصور أتباع النظام السابق بمنطقة تسمى "غرغور" جنوب غربي طرابلس وهو ما حدث بالفعل.
وأكدت الحكومة المؤقتة على لسان رئيس وزرائها علي زيدان، أن المظاهرة السلمية مرخصة من قبل وزارة الداخلية، وأنه كان متابعًا لها منذ قدّم منظموها طلب الحصول على إذن بخروجها.
وحمّل زيدان الإعلام سبب تأجيج الصراع دعا الجميع للتهدئة، مطالباً كافة التشكيلات المسلحة بالخروج من طرابلس.
ويروي مراسل وكالة الاناضول الأحداث حيث تجمع المئات من المتظاهرين بعد صلاة الجمعة أمس، في منطقة جزيرة القدس القريبة من غرغور واتجهوا سيراً على الأقدام باتجاه مقرات المليشيات، ما دفع المسلحين إلى إطلاق النار الكثيف المضاد للطيران في الهواء لإرهاب المتظاهرين وإرغامهم على العودة، إلا إنهم رفضوا ذلك، ما دفع المسلحين لفتح النار مباشرة على صدور المحتجين العزل من السلاح.
وسرعان ما تطورت الأحداث ليحتدم إطلاق النار من طرف الميليشيات ويسقط رجل مسن أمام مقرهم ليكون أول ضحية، وهو يرفع علما أبيض يطالب فيه المسلحين بالخروج من مدينته طرابلس، ويتوالى سقوط القتلى والجرحى في صفوف المدنيين المتظاهرين، ويتم حصار العديد من الأسر الليبية في المباني السكنية المجاورة لمقر المليشيات والتي حرق بعضها بسبب كثافة النيران.
ودفعت عمليات إطلاق النار المتظاهرين إلى إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة على مصدر النيران والدخول في حرب شوارع، بعد تقدم العديد من المسلحين الغاضبين لمواجهة المليشيات المتحصنة هناك، إلا إنه وبعد مطالبات استغاثة تدخلت وحدات من قوات الإسناد الأمني ووحدات عسكرية تتبع الشرطة العسكرية لفض الاشتباكات، فيما تراجعت المليشيات عن مقراتها مخلفة قتلى وجرحى وأسرت عددًا آخر.
وتجددت الاشتباكات بقوة في طرابلس مع دخول أرتال عسكرية قادمة من مصراتة (شرق طرابلس) - التي تنتمي إليها المليشيات - إلى العاصمة.
وقال مراسل الأناضول إن إطلاق النيران الكثيفة على عدة أحياء سكنية مستمر مع الساعات الأولى من صباح اليوم السبت، وسط احتدام الاشتباكات من جديد بين عناصر الشرطة العسكرية وميليشيات دخلت لطرابلس من الجنوب الغربي بالمدينة طريق المطار.
يشار إلى أن الميليشيلت المسلحة التي تسيطر على منطقة غرغور الراقية، هم في الأساس من سكان مدينة مصراتة وقدموا إلى غرغور وسيطروا عليها عقب اندلاع ثورة شباط/ فبراير 2011 الليبية، التي أطاحت بالرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، نظرا لأن تلك المنطقة كان يسكنها كبار رجال القذافي وتتميز بأن معظم بناياتها من القصور الفاخرة.
وأعلنت رئاسة أركان الجيش الليبي أنها كلفت اللواء الثاني والثالث مشاة برية والشركة العسكرية بطرابلس لإنهاء الاشتباكات والرد مع أي مصدر للنيران، فيما كلفت قوات السلاح الجوي لمراقبة الأجواء تحسباً لأي طارئ.
وقال رئيس المجلس المحلي لطرابلس السادات البدري، في مكان الأحداث، إن المجلس دعا للتظاهر بشكل سلمي للمطالبة بإخراج التشكيلات المسلحة منها إلا إنهم ووجهوا بالنيران الأسلحة.
ودعا المجلس المحلي بطرابلس كافة المواطنين للعصيان المدني إلى حين خروج كافة التشكيلات المسلحة، في حين حمل المجلس المحلي لمصراتة نظيره مجلس طرابلس مسؤولية ما حدث، معتبراً ذلك مؤامرة ضد طرف مهم في الثورة، حسب بيان صحفي .
واتهم مجلس مصراتة بضلوع من وصفهم بالمندسين في صفوف المتظاهرين لإحداث الفوضى والفتنة، حسب تعبيره.
وبدوره، قال رئيس اللجنة الأمنية بوزارة الداخلية هاشم بشر، إن عناصر البحث الجنائي الذين كانوا مع المتظاهرين، أكدوا لوزارة الداخلية أنه تم البدء بإطلاق نار من مصدر مجهول في مكان الحادث ما دفع المليشيات لبدء إطلاق النيران بشكل كبير ومتهور.
ولفت بشر، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، إلى أن المتظاهرين كانوا سلميين ولم يحملوا أي نوع من السلاح، وأن اندلاع الاشتباكات بين مسلحين محتجين غاضبين وبين المليشيات جاء عقب سقوط عدد من الضحايا في صفوف المدنيين.
كما ناشدت وزارة الصحة الليبية كافة الأطقم الطيبة للالتحاق بالمستشفيات والمساعدة في إسعاف المصابين، وحث المواطنين على التبرع بالدم لإنقاذ الجرحى بحسب مكتب الإعلام بوزارة الصحة.
ولكن سرعان ما كشف وزير الصحة الليبي نوري دغمان عن ارتفاع عدد قتلى المدنيين إلى 31 قتيلاً، فيما تجاوز عدد الجرحى عتبة 285 جريحا في ظل استمرار الاشتباكات حينها.
وتقول مصادر مقربة من المليشيات إن 16 قتيلاً سقطوا في صفوفهم، فيما أصيب العشرات منهم وقبض على بعضهم من قبل الشرطة العسكرية، ما اضطرهم للانسحاب من المكان الذي كانوا يتحصنون فيه.
وقد أعلن مكتب النائب العام عبد القادر رضوان عن تكليف فريق محققين للتحقيق بالأحداث الدامية التي عاشتها طرابلس في تصريح مقتضب بث عبر التلفزيون الوطني.
ومنذ سقوط نظام القذافي في عام 2011، وانهيار الجيش الليبي، تشهد البلاد اضطرابا أمنيا وسياسيا شديدا، خاصة مع سيطرة الجماعات المسلحة، التي كانت تقاتل القذافي على عدد من المناطق، وتكليف الحكومة لبعضها بمهام أمنية؛ ما أظهر تضاربا في الاختصاصات والمهام في بعض الحالات بين الأجهزة الحكومية وبين تلك الجماعات.
وتحاول الحكومة الليبية السيطرة على الوضع الأمني المضطرب في البلاد؛ جراء انتشار السلاح وتشكيل ميليشيات تتمتع بالقوة ولا تخضع لأوامر السلطة الجديدة، التي تشكلت في البلاد بعد سقوط نظام القذافي.
وتبرز ثالث اشتباكات تدور في الشوارع خلال عشرة أيام الصعوبات التي تواجهها ليبيا لاحتواء الميليشيات التي رفضت إلقاء سلاحها بعد سقوط القذافي مما قوض من سلطة الحكومة المركزية وعطل صادرات النفط الليبية.